في أوسع التظاهرات نطاقاً ضمن الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير، والمستمرّة للشهر الثاني على التوالي، خرج الآلاف أمس في عدد من المدن السودانية، لا سيما في العاصمة الخرطوم، في مسيرات توجّهت إحداها إلى القصر الجمهوري، تلبية لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» المدعوم من قوى المعارضة السياسية. ومثلما فعلت إزاء أربع مسيرات سابقة كانت تهدف إلى تسليم مذكرة إلى القصر تطالب بتنحي البشير الذي يتولى السلطة منذ عام 1989، واجهت الشرطة بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع أكثر من 30 مسيرة مطالبة بتنحّي البشير في أنحاء متفرقة من البلاد، أهمها مدن الخرطوم (وسط)، والقضارف (شرق)، ودمدني والمناقل (شرق)، وسنار (جنوب شرق)‎، وفق ما أعلن «تجمع المهنيين» في بيان. وإصراراً على «الحل» الأمني، استخدمت قوات الشرطة الرصاص الحي في مواجهة احتجاجات في مدينة أم درمان، غربي العاصمة، ما أدى إلى مقتل الشاب عبد العظيم أبو بكر (24 عاماً)، بحسب ما أفاد به رئيس النيابة العامة المكلّف بالتحقيق في الاحتجاجات، عامر محمد إبراهيم، مساء أمس، معلناً ارتفاع عدد قتلى الاحتجاجات إلى 29، فيما أوضحت «لجنة أطباء السودان المركزية» أن أبو بكر «توفي نتيجة لإصابته بطلق ناري في الصدر»، متحدثة عن مقتل متظاهر آخر «إثر تعرضه للتعذيب من قِبَل أفراد أمنيين في أحد المعتقلات»، وهو طالب جامعي يدعى محجوب التاي محجوب، كما أشارت صحف محلية إلى إصابة متظاهر ثالث بالرصاص الحي في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسط البلاد، ووصفت إصابته بـ«الخطيرة».
وفي مؤشر على تدخل أفراد من الجيش للمرة الأولى لحماية المتظاهرين من التجاوزات التي تمارسها القوات النظامية الأخرى بحق المتظاهرين، قُتل أحد عناصر جهاز الاستخبارات السوداني، في بلدة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر، حين كان يواجه التظاهرات بإجراءات قمعية، في اشتباك مع مجموعة من الجنود في ساعة متأخرة أول من أمس، وفقاً للشرطة. لكن لم يتضح سبب الاشتباك على الفور، إلا أن الشرطة قالت أمس إنه «تم احتواء الموقف من قبل قيادة الطرفين، والأوضاع الأمنية الآن في الولاية مستقرة».
تتوقع حكومة البشير رفع السودان من قائمة الإرهاب الأميركية في حزيران المقبل


وبينما تحولت أسباب الاحتجاجات المباشرة، المتصلة بالأزمات الاقتصادية الثلاث (الوقود والنقود والقوت كما حدّدها وزير الإعلام بشارة جمعة)، إلى استخدام قوات الأمن الذخيرة الحية بوجه المتظاهرين، هتف المتظاهرون، بعدما تجمعوا في حي بوري في العاصمة قبل انطلاقهم في مسيرة حاولت الوصول إلى القصر، بشعار: «يا نموت زيهم يا نجيب حقهم»، في إشارة إلى قتلى التظاهرات الذين تخطّت أعدادهم 40 متظاهراً، من بينهم عاملون في المجال الصحي، بحسب إحصاءات منظمات حقوقية دولية، بينها «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش». ويتهم البشير «مندسين» من «الحزب الشيوعي السوداني» وحركة «جيش تحرير السودان» بقتل المتظاهرين بهدف «ضرب استقرار البلاد وأمنها»، تنفيداً لأوامر «جهات وسفارات» لم يحدّدها.
وفي أسلوب جديد لمواجهة المحتجين، تشرع حكومة البشير في ملاحقة من تصفهم بـ«المحرّضين» على التظاهرات عبر «الإنتربول»، وفق ما أعلن وزير الدولة في وزارة الإعلام والاتصالات، مأمون حسن إبراهيم، أمس، موضحاً أن ذلك يشمل «ناشري المعلومات والأخبار الكاذبة حول الأوضاع، خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي»، المتنفّس الوحيد المتبقي للتعبير عن الرأي، ونشر ما يجري على الأرض، بعدما سحبت السلطات رخص عمل مراسلين ومصورين لقنوات إعلامية عالمية، كان «تجمع المهنيين» قد حثهم على تغطية التظاهرات حماية للمحتجين. كما نفّذت محكمة النظام العام في الحاج يوسف، أمس، عقوبة الجلد (20 جلدة) بحق شابين تم اعتقالهما في تظاهرة ليلية أول من أمس، بعدما تمّت إدانتهما من قِبَل المحكمة بـ«الإخلال بالأمن والسلامة العامة».
وفيما اشترطت واشنطن لـ«قيام علاقة جديدة أكثر إيجابية بين الولايات المتحدة والسودان... إصلاحاً سياسياً ذا مغزى، وتسجيل تقدم واضح ومستمر في مجال احترام حقوق الإنسان»، كما جاء في بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية، روبرت بالادينو، أمس، توقّع وزير النفط والغاز والمعادن، أزهري عبد القادر، رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب خلال شهر حزيران/ يونيو المقبل، وكشف عن مفاوضات جارية مع الجانب الأميركي لإكمال عملية إزالة المقاطعة المفروضة من الولايات المتحدة الأميركية بشكل كامل خلال هذا العام (فرضت منذ عام 1997 حتى تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017)، في حين يتهم البشير وغيره من المسؤولين السودانيين واشنطن بأنها السبب في مشكلات البلاد الاقتصادية.
وفي ضوء المساعدات التي تعلن الخرطوم تلقيها من دول متنافسة في البحر الأحمر، منها قطر والإمارات وتركيا ومصر، يؤكد المسؤولون السودانيون قرب حل المشكلات الاقتصادية الراهنة، والتي تتمثّل في ندرة الأوراق النقدية المالية، وشحّ الوقود والخبز والدواء، إذ جدد رئيس مجلس الوزراء، معتز موسى، «تبشيرات» سبق أن أطلقها الأسبوع الماضي بحلّ معظم الأزمات، ووعد أمس في لقاء نظمه «المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد»، في ولاية الخرطوم، بأن أزمة السيولة ستُحلّ «خلال عشرة أيام»، مؤكداً «الوصول إلى حلول ممتازة لأسعار الأدوية وفي مجال الخبز».