الخرطوم | يمضي محتجو السودان في حراك شعبي «مفتوح» بتنسيق وتوجيه من «تجمع المهنيين» والقوى الموقعة على «ميثاق التغيير» الذي يعمل على جدولة التظاهرات. اليوم (الخميس) يخرج السودانيون في كل المدن والأرياف، بالتزامن مع «موكب التنحي»، في عدد من المناطق في العاصمة الخرطوم، وصولاً إلى القصر الرئاسي، للمطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، للمرة الخامسة، لكن الآن بمشاركة وتأييد رجالات الطرق الصوفية التي أعلنت رفضها تأييد البشير الذي كان قد أكد خلال لقاء مع دعاة وعلماء ومشايخ منهم، الخميس الماضي، اهتمام الدولة بأهل التصوف بوصفهم «قادة للمجتمع». وفي أول تحرك له منذ عودته مع اندلاع الاحتجاجات، يؤم زعيم «حزب الأمة» القومي، الصادق المهدي، المصلين غداً (الجمعة)، في مسجد الهجرة في ودنوباوي، حيث من المرجح أن تكون انطلاقة لتظاهرة.

أين الجيش؟
على رغم اتساع دائرة المحتجين وإصرار منظمي التظاهرات على المواصلة سلمياً لإسقاط أي ذريعة لمواجهتهم، لم يُقر البشير بفشل «الحلول» الأمنية، ما يُبعد احتمال تخليه سلمياً عن السلطة، ومن ثمّ استمرار الاحتجاجات. إزاء ذلك، تتجه الأنظار إلى الجيش، صاحب الدور الحاسم تاريخياً، على رغم أنه حتى الآن لا يزال يُحافظ على تعهده دعم القائد الأعلى للقوات المسلحة (الرئيس)، ويلتزم الصمت حيال التجاوزات التي مارستها القوات النظامية الأخرى بحق المتظاهرين، بخلاف موقفه السابق المؤيد للانتفاضتين عامي 1964 و1985، وأدتا إلى الإطاحة بنظامي الرئيسين إبراهيم عبود وجعفر نميري.
أحد الناشطين في الاحتجاجات عباس إبراهيم رأى أنه في حال «انحياز الجيش إلى الثورة، سيعني (ذلك) انتصارها وعزل رأس الدولة». لا يستبعد إبراهيم، في حديث إلى «الأخبار»، «تدخل الجيش إلى جانب الثورة في أي وقت من الأوقات»، لكنه يرهن ذلك بـ«سيطرة الثوار على الشارع، وفشل آلة القمع في إيقافهم، ما قد يدفع إلى خلاف بين القيادة وصغار الضباط والجنود الذين سيختارون الانحياز إلى الثوار، وسيلتفون حولهم للدفاع عن أهاليهم العزل».
من المرجح استمرار أزمات الخبز والوقود حتى النصف الثاني من العام


هذا السيناريو حدث في انتفاضة 1985، بعد 11 يوماً من اندلاعها، حين تخلى قائد الجيش عن الرئيس النميري، نتيجة ضغط من ضباطه الذين تأثروا بالضباط الأقل رتبة، بينما كان قبل تخليه بيوم واحد يقف تماماً مع الرئيس. وفي الاحتجاجات الحالية «لا يمكن الجزم بأن قوى الأمن، سواء الجيش النظامي أو جهاز المخابرات، لن ينقلبوا يوماً ضد البشير»، كما قالت المؤرخة البريطانية ويلو بيريدج، الخبيرة في شؤون السودان، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» قبل أسبوعين، إذ لوحظ وجود ضباط جيش وشرطة وسط المتظاهرين مرات عدة، في وقت يؤكد محتجون أنه كثيراً ما حال أفراد من الجيش بينهم وبين أفراد من الأمن.
لكن البشير، العائد من قطر (أمس) في زيارة استغرقت يومين، تاركاً خلفه البلاد تمور في تظاهرات ليلية ونهارية، لا يُبدي خشية من انقلاب الجيش الذي يضع ثقته الكاملة في قيادة أركانه، ولا سيما القيادات العليا ذات الأبعاد الإسلامية، إذ يستبعد أن ينقلب عليه رفاق الفكر والسلاح. لكن ليس «انقلاب الجيش» وحده السيناريو الذي قد يطيح به، وفق رئيس حزب «الأمة والإصلاح والتجديد»، نائب رئيس الوزراء السابق، مبارك الفاضل المهدي، الذي أشار في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، الأحد الماضي، إلى أن من بين السيناريوات المحتملة «انقلاب (في) القصر يجعل من الرئيس كبش فداء ليستمر حكم الإسلاميين».

أزمات شائكة
بعدما عبر البشير عن شكره وامتنانه لـ«الدول الصديقة»، لم يعلن أي مساعدات مالية جديدة، حتى في قطر التي كانت من بين أوائل الدول التي عبرت عن استعدادها «تقديم كل ما هو مطلوب لتجاوز هذه المحنة»، كما قال الأمير تميم بن حمد خلال اتصال مع الرئيس السوداني في أول أيام التظاهرات، علماً أن الدوحة توصلت العام الماضي إلى اتفاق قيمته أربعة مليارات دولار، من أجل التطوير المشترك لميناء سواكن، ولم يعرف هل سرى مفعوله حتى الآن. مصدر في حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم، أوضح في حديث إلى «الأخبار»، أن الرئيس «ربما يريد طمأنة القطريين إلى أنه سيجري إصلاحات جذرية في حال حدوث أي هدوء نسبي في البلاد»، لكنه لم يستبعد «تنحي البشير بعد هدوء الأوضاع».
إلى جانب قطر، وصلت مساعدات من الإمارات أمس، كما أعلنت الرئاسة السودانية، مضيفة أن روسيا وتركيا عرضتا مساعدات من ضمنها وقود وقمح، لكن لم تتضح بعد أي تفاصيل بشأن حجم أو توقيت تلك المساعدات. في هذا الوقت، ما فتِئ المسؤولون الحكوميون يقدمون الوعود التي تُبشر بقرب حل جميع الأزمات، ولا سيما الخبز والوقود والسيولة النقدية، لكن المؤشرات، وفق مصادر مطلعة، تؤكد استمرار الأزمة حتى النصف الثاني من العام الجاري، فيما لا تزال صفوف الوقود، وكذلك أمام الصرافات، مستمرة.
ووفق معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر في وزارة النفط، تحتاج أزمة الوقود على الأقل ثلاثة أشهر حتى تتم السيطرة عليها، وذلك بسبب شح العملة الأجنبية التي يشترى الوقود بها، بينما يكون البيع بالعملة المحلية، الأمر الذي يتسبب في ندرة النقد الأجنبي. وأوضح المصدر أن كلفة الباخرة الواحدة سعة 40 ألف طن من الوقود تبلغ 40 مليون دولار، وأن استهلاك البلاد خلال يوم يبلغ 9 آلاف طن، ما يعني أن الباخرة لا تكفي حاجة البلاد لأسبوع واحد.