عاشت طرابلس، نهاية الصيف الماضي، حرباً امتدت شهراً، أدت إلى مقتل أكثر من ثمانين شخصاً، وجرح واختفاء عشرات آخرين. أطراف الصراع كانت «اللواء السابع مشاة» الذي يُعرف أيضاً باسم «الكانيات» نسبة إلى عائلة الكاني التي تقوده، مسنوداً بميليشيات من مدينة مصراتة يتزعمها صلاح بادي، في مواجهة «قوة حماية طرابلس» التي تشمل تحالفاً واسعاً لميليشيات من العاصمة.انتهى النزاع بتوقيع اتفاق في مدينة الزاوية بين أعيان من العاصمة وترهونة، انسحب على إثره بادي وقوته إلى مصراتة، فيما تراجع «اللواء السابع» إلى معسكرات على الأطراف الجنوبية للعاصمة. لكن، لم ينته التوتر بعد، إذ يرى المهاجمون في ميليشيات طرابلس «دواعش للمال العام»، يجب تحجيم قوتهم ونفوذهم، خصوصاً أن «اللواء السابع» كان جزءاً من «الحرس الرئاسي»، قبل أن يحلّه رئيس حكومة «الوفاق» فائز السراج، بضغط من قوات طرابلس. في المقابل، ترى هذه الأخيرة في المهاجمين تهديداً يجب القضاء عليه، ما دفعها إلى التكتل للمرة الأولى تحت لواء تحالف «قوة حماية طرابلس»، على رغم الاختلافات الأيديولوجية بين المنضوين في إطاره، ومعاركهم السابقة في ما بينهم.
جرت مناوشات عدة بعد توقيع الاتفاق، أهمها سُجّلت يوم الأربعاء الماضي، حيث استُخدمت قذائف واستُجلت دبابات ومدرعات. أدى النزاع، بحسب الأرقام الرسمية، إلى مقتل 18 شخصاً وجرح 53، أغلبهم من المقاتلين. لم يكن لوزارة الداخلية موقف قوي، على رغم أنه صار يرأسها منذ مدة قصيرة فتحي باشاغا، الذي أدلى بمواقف حادة تجاه الميليشيات. أما بعثة الأمم المتحدة فاكتفت بالتهديد بتتبّع المتقاتلين دولياً، وإدراجهم في قوائم العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي.
أمام هذا العجز الحكومي والدولي، تدخلت أطراف محلية، تمثلت في «المجلس الاجتماعي لقبائل (مدينة) بني الوليد». وبحسب ما جاء في ندوة صحافية عقدها المجلس، انتقل أعضاء لجنة الوساطة إلى مدينة ترهونة، حيث مُنحوا تفويضاً لنيابتهم، تحولوا إثره أول من أمس إلى لقاء أعضاء «المجلس الأعلى للمصالحة في طرابلس الكبرى»، والذين توصلوا معهم إلى اتفاق من أربعة بنود، يقضي بوقف إطلاق النار، وعودة المقاتلين إلى ثكناتهم، وتبادل الأسرى وجثامين القتلى، وفض ملف المُهجَّرين من المنطقتين.
ردود الفعل على الوساطة القبلية كانت إيجابية. ففي بيان، قالت بعثة الأمم المتحدة إن رئيسها، غسان سلامة، اتصل صباح أمس بـ«الشيخ محمد البرغوثي الورفلي، وشكره ومن رافقه من الحكماء والأعيان على الجهود الجبارة التي بذلوها لإعادة الوئام والسلم، بعد الاشتباكات الدامية جنوب العاصمة»، كما تمنى لهم «النجاح والتطبيق الصادق للاتفاق الذي تم التوصل إليه بفضل جهودهم». من ناحية ثانية، قرر المجلس البلدي لمدينة ترهونة رفع الإجراءات الاستثنائية التي قررها مع بدء الاشتباكات، والمتمثلة في غلق المؤسسات التعليمية والإدارات، وحظر التجول كامل اليوم.
لا يختلف الاتفاق الجديد عن سابقه، بل ربما يكون أكثر هشاشة، على اعتبار أنه غير موقع من طرفي النزاع. وبالفعل، انتشرت، مساء أمس، أخبار عن خرق أولي لوقف إطلاق النار، قد يتطور إلى خرق شامل. كما قد يهدأ لفترة ويعود مستقبلاً، في حال بقيت أسباب الصراع قائمة، ولم يُطبق ما نص عليه الاتفاق الأول، من ترتيبات أمنية جديدة تقضي بإخراج الأسلحة الثقيلة من الأحياء السكنية، ونشر قوات أمنية من مختلف مناطق البلاد.