القاهرة | على الفيس بوك تنتشر دعوة عنوانها الحملة الشعبية لتأليه الفريق عبد الفتاح السيسي. كان هذا قبل أن يخلع عليه الرئيس المؤقت رتبة المشير. ينشط على هذه الدعوة الإلكترونية متهمون بالإلحاد أو اللادينية، وربما اللاأدرية، لكنهم ـ بالأساس ـ شباب ساخر من هؤلاء الذين ينتظرون قدوم السيسي رئيساً لينهي الفوضى والإرهاب ويحقق العدالة ويهزم وحده أعداء الداخل والخارج المتربصين. يرى هؤلاء أن هذه القدرات تليق بإله، ولا يأتي هذا الانتظار إلا من «شعب» من خصاله تأليه حكامه.
هذه الخصالة فرعونية قديمة قدم التاريخ، وتسير في دماء المصريين جيلاً بعد جيل كسريان النيل في أراضيهم. لا تخلو هذه السخرية من مبالغات و«أفورة» تليق بالناشطين في العالم الافتراضي، غير أنها ــ ولا شك ــ ذات دلالة على المزاج الحاكم للأغلبية من المصريين في ظل حكم نظام 3 يوليو.
في تظاهرات 30 يونيو العارمة التي أسقطت حكم «الإخوان»، ارتفعت صور وزير الدفاع والقائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي دعاه أغلبية المتظاهرين إلى التحرك لإسقاط حكم «الإخوان» بعزل الرئيس محمد مرسي عن الرئاسة. وهو ما حصل بترتيبات 3 يوليو التي خلقت الجدل في ما إذا كانت هذه الموجة من الثورة «انقلاباً أم ثورة»، وسواء أكانت هذا أم ذاك، كان الجيش هو عنوان البديل الجاهز دائماً لقيادة الأمور.
قبل عامين ونصف عام من هذه الموجة، لم يكن لدى ثوار يناير المحتشدين في ميدان التحرير من بديل لنظام حسني مبارك غير الجيش الذي طرح نفسه لقيادة المرحلة مستجيباً لنداء «الشعب». آنذاك، لم يكن على الجيش غبار من فساد أو سواء إدارة، أو لنقل إن غبار الثورة قد أعمى النظر عن هذا. ثم ثبت للجميع أن قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية الأولى كانت كارثية، حسمت كثيراً من رصيد الجيش في المخيلة العامة ولدى الشباب من الثوار الحسني النية. عادت على يد المجلس العسكري تسمية العسكر للمؤسسة الأم في الدولة المصرية. وبعد انتخاب مرسي، انتهت وضعية القيادة الثنائية للدولة بنصف انقلاب، هو الأنعم، حيث عزل المشير محمد حسين طنطاوي وجرت ترضية بقية قادة المجلس. أما قائد الانقلاب الصغير، فكان وزير الدفاع المنتظر عبد الفتاح السيسي.
ففي البدء كان الجيش وقادته. تراكم هذا الوعي في نفوس المصريين على مر التاريخ. فيما عدا الفترة شبه الليبرالية، كان كل الرجال العظام في مخيلة المصريين عسكريين. فمؤسس الدولة الألباني الأصل، محمد علي، عسكري عثماني، وبنى الدولة على أساس الجيش الحديث صاحب الفتوحات في أعالي الدولة العلية وهازمها. غير أن أسطورة الجيش تشكل معظمها بعد ثورة يوليو، في ظل أمجاد الناصرية وإخفاقاتها السياسية وحتى العسكرية. وبعد حرب أكتوبر، بنى الجيش سمعته بتراكم الأزمات السياسية والاقتصادية التي أسهم في حلها في عهدي أنور السادات ومبارك، نذكر أزمة يناير 1977، وتمرد الأمن المركزي 1986 وصعود نجم المشير أبو غزالة صاحب مشروعات البنية التحتية العملاقة. وفي عهد الأخير، بني الجزء الأكبر من رصيد الجيش بسلبية الصورة القمعية البشعة التي خلفها جهاز الشرطة صاحب اليد الطولى في القمع والقهر الذي ولّد ثورة يناير. هذه التراكمات التاريخية جعلت من مصر مجتمعاً عسكريّاً وفقاً لما وصفه به المفكر الراحل أنور عبد الملك. ولكل هذا استدعت المخيلة الجيش كمؤسسة يسودها الانضباط والاحترام والحرفية. ودائماً ما يستدعى قادته باعتبارهم مخلصين في مراحل حرجة تستدعي وجود بونابرت الذي يتحين دائماً فرصته.
استطاع مبارك عبر ثلاثين عاماً من حكمه أن يخلي الساحة من نماذج الرجال العظام لينفرد بشخصيته الفاترة بساحة الحكم. هكذا عُزلت وشُوِّهت كل الشخصيات العامة المدنية أو العسكرية القادرة على المنافسة. ولم تفلح الأحزاب وجماعات المعارضة السياسية، حتى «الإخوان»، أكبرها حجماً وحضوراً، في أن تبني نماذج لشخصيات سياسية قادرة على خوض الصراع مع السلطة حول الإصلاح. كانت النتيجة لكل هذا التجريف، إفلاس الحياة السياسية المصرية، وعودة «الشعب» إلى قائده الطبيعي، وهو الجيش، وخاصة أن الشباب الثوار لم يستطيعوا أن يبرزوا كقادة قادرين على الفعل.
عادت الدولة القديمة بترتيبات 3 يوليو، وهي تحاول أن تبني شرعية على إرث مستهلك. في قلب هذا الإرث يقع الجيش، قائد المرحلة من وراء الحكومة المدنية الضعيفة، وعلى رأسه قائده الذي نصّب زعيماً في مواجهة الجماعة المهزومة ورئيسها. لقد انبنت أيديولوجيا دولة يوليو الأولى، التي يراد استنساخ شرعيتها في دولة يوليو الثانية، على مفهوم الشعب المشارك في «الزحف المقدس»، وفقاً للمؤرخ شريف يونس في أطروحته عن الأيديولوجيا الناصرية. لقد استبق الشعب بالزحف وأضحت الحاجة ماسة إلى زعيم يجب أن يكون صدى لعبد الناصر مؤسس الجمهورية وباني أيديولوجيتها. هنا يأتي دور جهاز الدولة الأيديولوجي، «الإعلام» في بناء صورة الزعيم وإضفائها على «ناصر» الجديد. في الواقع، ليس إعلام الدولة وحده الذي يرسم لوحة الزعيم، بل بالأحرى كل إعلام المصالح المعبرة عن رجال الأعمال وتحالفهم مع جهاز الدولة. حاول إعلاميو هذه المصالح أن يرسخوا حقيقة أن الرجل وحده هو القادر على قيادة المرحلة، وفي إطار الحرب ضد الجماعة، شُوّه كل من قد يقف في وضع المنافس في مواجهة الزعيم المرتقب، بل أُسقطت شرعية ثورة يناير لمصلحة ما يطلق عليه «ثورة 30 يونيو».
يقوم صانعو الزعيم بتقديمه وهم على ثقة بأن الجماهير الشبقة إلى القائد المنتظر ستتقبله، وستضفي عليه وتزيد ما تريده. فالناس صانعو آلهتهم. هنا يضفى على السيسي من الكاريزما والحضور ما يثير الشك، وخاصة مع القدر الواضح من الافتعال في خطاباته المشبوبة بعاطفة تليق بعلاقة غرامية لا تصلح أساساً لعقد زواج مؤسسة، فضلاً عن عقد لإدارة دولة.
قد يكون الرجل، مدير مخابرات مبارك العسكرية وعضو المجلس العسكري ووزير دفاع مرسي، سياسيّاً محنكاً بقدرته على إسقاط حكم وبناء آخر. غير أنه لم يقدم إلى الآن ما يجعله صنواً لعبد الناصر. والمفارقة أن الأشعار كُتبت وغُنيت له قبل أن يكون رئيساً شرعيّاً. ومن ثم لا استغراب من تنصيبه مشيراً، رغم أنه لم يخض حرباً. لكن الإعلام خلق له الحرب اللازمة في الداخل وفي الخارج كي تعادل صراعات ناصر التحررية. وفي كل الأحوال سيخوض الانتخابات الرئاسية كي يضفي مشروعية على إرث الشرعية الرثة الذي يقوم عليه مشروع الدولة القديمة. غير أن الانتخابات، لا الخطابات، تصنع الزعيم بقدر قدرته على القيام بتحديات الدولة المنهارة، وهي الكفيلة بالقضاء على أي أسطورة جديدة تحاول أن تبني نفسها. فالناس كما صنعوا آلهتهم وفراعينهم قادرون أيضاً على تحطيمهم إذا ما عضهم الجوع بنابه.
تحاول الدولة أن تحيي الناصرية من مرقدها بعد أن قضت عليها هي نفسها عبر أربعة عقود من حكم رأسمالية المحاسيب. ومن هنا تبدو النسخة الناصرية التي يجسدها السيسي نسخة رثة على قدر افتعالها، يقول أستاذ العلوم السياسية أشرف الشريف تعليقاً على هذه المحاولات البائسة التي «لا تدرك حجم الاختلاف الضخم بين دولة 23 يوليو ونسختها البائسة. وبقدر نقدي ورفضي للناصرية إلا أني أجد أنّ من الظلم والابتذال والتسخيف لها الزجّ بها في معرض الدعاية للخيار السيساوي. فالتجربة الناصرية أسست دولة سلطوية أبوية قوية ذات قدرة عالية على الضبط والتحكم لكي تقود عملية التحول الاقتصادي والسياسي، التي كان مضمونها الحراك الاجتماعي وإعادة توزيع الدخل، في سياق سياسات تحرر وطني في مواجهة قوى الاستعمارين القديم والجديد. أين هذا من الجنرال القادم لحكم مصر على رأس دولة أبوية متداعية بقدر قمعيتها، ومواردها مفلسة وقاصرة عن الاستحقاقات الأبوية التوزيعية الزبونية وفي سياق تدجين وخضوع للمصالح الخارجية المهيمنة إقليمياً ودولياً؟!».
وعلى غرار الحكمة الماركسية التليدة، إن تكرار التاريخ في المرة الأولى مأساة وفي المرة الثانية ملهاة. ففي إحياء شرعية الناصرية الجديدة مصر تختلط الاثنتان، المأساة والملهاة؛ حيث يلبس الزعيم ثياب دولة مهلهلة ستثير الضحك بقدر ما ستعظم من المأساة.




السيسي يعرض برنامجه الانتخابي قريباً

ذكرت مصادر مطلعة لصحيفة «المصري اليوم» أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية سيعقد اجتماعاً خلال أيام، بحضور وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي، لاختيار وزير الدفاع المرشح لخلافته، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس الأركان.
وأشارت المصادر إلى أن السيسي سيملي قراره النهائي للمجلس الأعلى بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية وترك منصبه كقائد عام ووزير للدفاع والإنتاج الحربي، وسيعلن في بداية النصف الثاني من شباط الحالي قرار ترشحه في خطاب يبثه التلفزيون المصري الرسمي وباقي القنوات الفضائية. ويتضمن خطاب الترشح رؤية لبرنامج عمل سيطرحه المشير، ويشرح فيه أسباب ترشحه لهذا المنصب.
إلى ذلك، علمت «المصري اليوم» أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق الفريق سامي عنان، لا يزال مصمماً على خوض الانتخابات الرئاسية، وقد رصد مبالغ مالية كبيرة وصلت إلى 50 مليون جنيه، فيما أكدت مصادر للصحيفة أن مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي، لم يحسم موقفه من الترشح للرئاسة حتى الآن.