إسطنبول | يلتقي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، مسؤولين أتراكاً ليبحث وإياهم مجمل التفاصيل الخاصة بالعلاقات الأميركية - التركية، بعدما حذّر أنقرة من أي تدخّل عسكري في مناطق شرقيّ نهر الفرات. ويرافق بولتون رئيس الأركان الأميركي جوزف دانفورد، ومبعوث وزير الخارجية الأميركي في الشأن السوري، جايمس جيفري، وهو سفير أميركي سابق في تركيا. وسيلتقي الوفد الأميركي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكلاً من وزير الدفاع خلوصي آكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ورئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان، والمتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن. هذه المباحثات يفترض أن تتناول كل التفاصيل الخاصة بالعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، التي إن اتُّفق عليها كلّها، فستدفع تركيا بعيداً عن حلفها التكتيكي مع روسيا وايران، لتعود إلى حاضنتها الطبيعية، أميركا و«حلف شماليّ الأطلسي». وتقول أوساط ديبلوماسية وسياسية إن الشرط الأساس لمثل هذا الموقف الجديد، سيكون تسليم الداعية فتح الله غولن ورجل الأعمال التركي ـــ الإيراني، رضا زراب، المقيمين في الولايات المتحدة، لتركيا، ومن ثم تبني المشاريع والمخططات التركية في سوريا والعراق والمنطقة عموماً، بما في ذلك تسويق النموذج الإسلامي التركي من جديد، بعد اهتزاز سمعة السعودية عقب جريمة جمال خاشقجي. في الإطار نفسه، التقى وفد أميركي الجمعة الماضي، مع مسؤولين في وزارة العدل التركية لبحث موضوع غولن وزراب. حساسية توقيت هذه الزيارة، تكمن في أنها تلت تغريدات متناقضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، في شأن الانسحاب من شرق الفرات، وهو ما عدّه البعض حملة أميركية تهدف إلى منع الجيش التركي من التدخل هناك والاشتباك مع «وحدات حماية الشعب» الكردية. وبعدما أوضح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن بلاده تهدف إلى «منع الأتراك من قتل الأكراد»، أكّد بولتون أول من أمس، وهو في إسرائيل، رفض بلاده أي عمل عسكري تركي شرقيّ الفرات قبل تنسيق مسبق معها. وتشير معلومات أولية إلى أن الوفد الأميركي سيقترح على أنقرة تعاوناً مشتركاً، لإبعاد «الوحدات» الكردية من المنطقة الحدودية مع تركيا، وبالتالي لمحاربة «داعش» بعد سحب القوات الأميركية من شرقيّ الفرات إلى قواعد في العراق وتركيا، بدلاً من تكليف قوات «عربية» مثل هذه المهمة، بموافقة روسيا. وتحدثت صحف تركية عن اعتراض قائد الفرقة الثانية ومقرها مالاطيا الجنرال إسماعيل تامال، على أي عمل عسكري تركي شرقيّ الفرات، بسبب الخطورة المحتملة لذلك، وهو ما دفع أردوغان إلى نقله إلى منصب غير مهم في رئاسة الأركان، بعدما قاد تامال قوات بلاده في عمليتي «درع الفرات» (جرابلس - اعزاز - الباب) و«غصن الزيتون» (عفرين). ورأى بعض المحللين أن موافقة أنقرة على الطلب الأميركي سيعمّق تورّطها في المستنقع السوري، خاصة إذا حصل الاتفاق بين «مجلس سوريا الديموقراطية» (الأكراد) والحكومة السورية بدعم من روسيا، التي لن تسمح حينها بتحليق الطائرات التركية في الأجواء السورية. كذلك إن مضي تركيا في توجّه كهذا، قد يوتّر علاقاتها بإيران، وسيفضي لاحقاً إلى نسف مسار التعاون الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا.وتراقب موسكو كل هذه التحركات الأميركية الرامية إلى إبعاد أنقرة عن مسار «أستانا/ سوتشي» من خلال إغراءات سياسية وعسكرية، بما في ذلك الاستعجال في تسليم أنقرة طائرات «إف 35» وبيعها منظومة «باتريوت»، شرط إلغاء العقد الخاص بمنظومة «إس 400» الروسية، أو تسلّم هذه المنظومة ووضعها في المستودعات من دون تشغيلها. وتتحدث معلومات عن وعود أميركية محتملة لمساعدة تركيا في الخروج من أزمتها الاقتصادية والمالية الخطيرة، في حال رضوخها للمطالب الأميركية الخاصة بسوريا والمنطقة عموماً، وابتعادها عن روسيا. كذلك جرى الحديث عن مساعٍ للوفد الأميركي في تل أبيب، لإنهاء الخلافات التركية - الإسرائيلية، لمواجهة تطورات المرحلة المقبلة بعد المصالحة السعودية والخليجية مع سوريا، واستمرار الوضع المعقد في إدلب وغربيّ الفرات. إذ تنتشر القوات التركية داخل سوريا على طول الحدود بمسافة تصل إلى 350 كيلومتراً وعمق يصل إلى 60 كيلومتراً في المنطقة الممتدة من جرابلس شرقاً إلى حدود ريف اللاذقية غرباً، مروراً بأعزاز وعفرين، ومدينة الباب (شمالي شرق حلب). وتتهرب القوات التركية الموجودة هناك من التدخل المباشر لدعم الفصائل الموالية لها في أرياف حلب وإدلب، حيث تتعرض منذ أسبوعين لهجوم عنيف من «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) التي سيطرت على العديد من المواقع الاستراتيجية. وتراقب موسكو هذه الاشتباكات من كثب، لأهميتها البالغة في ترتيب حساباتها الخاصة بإدلب ومحيطها، وبالمقاتلين الأجانب فيها، باعتبار أن تركيا هي المسؤولة عن حسم ملف «تحرير الشام» وفق «اتفاق سوتشي». وعبّر مسؤولون روس خلال الفترة الماضية عن انزعاجهم من تهرّب أنقرة من مسؤولياتها في المنطقة، وخاصة نزع سلاح الفصائل الإرهابية قبل نهاية تشرين الأول الماضي. ولا تُخفي دمشق انزعاجها من استمرار سيطرة القوات التركية مع نحو 50 ألفاً من مقاتلي الفصائل المختلفة، على الشريط الحدودي غربيّ الفرات، وهو ما يصفه مسؤولون سوريون باحتلال تركي لجزء من الأراضي السورية.