لم يَرشح عن زيارة الوفد التركي الرفيع المستوى، أول من أمس، لموسكو، ما قد يسهم في تخفيف التوتر الذي يسود أطراف مدينة منبج، بوجود حشودات عسكرية تركية تواجه خطوط الانتشار الأخير للجيش السوري في محيط المدينة. واكتفى وزيرا الخارجية الروسي والتركي، بعد الاجتماعات في موسكو، بحديث عام عن «توافق على استمرار وتعزيز التنسيق» بين الطرفين وجيشَيهما، في مكافحة التنظيمات الإرهابية ودفع العملية السياسية في سوريا. هذه الضبابية التي لفّت اللقاء المهمّ، ترافقت وتصريحات رسمية تشير إلى دعم موسكو الخطط التركية في شمال شرق سوريا (من دون تحديد ماهية تلك الخطط)، صدر أبرزها من ممثل روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، غينادي غاتيلوف، في موازاة الإشارة إلى تعهّدات تركية متكرّرة بالتزام وحدة سوريا وسلامتها واستقلالها.المواقف الروسية التي تراعي حساسية تركيا إزاء مستقبل التنظيمات الكردية على حدودها الجنوبية من جهة، وعودة سيادة الحكومة السورية على كامل جغرافيا البلاد من جهة ثانية، تُكمّل جهوداً غير معلنة للوساطة بين الجيش السوري و«وحدات حماية الشعب» الكردية. وهي جهودٌ أفضت إلى نشر وحدات عسكرية نظامية في محيط منبج الشمالي والغربي، تفصل بين مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية»، والفصائل التي تديرها أنقرة. ورغم الرعاية الروسية لمسار التفاوض هذا ومخرجاته، إلا أن التوتر على خطوط التماس لا يزال في أعلى درجاته، وسط استنفار وحدات الجيش السوري واستعدادها للردّ على أي «عمل عدائي» من جانب الفصائل المدعومة تركياً. وعلى الجانب الآخر، تتواصل حشود الفصائل من محيط مدينة الباب حتى نهر الساجور، فيما لم يطرأ أي تغيير على عمل الدوريات الأميركية العاملة داخل المدينة، رغم التقارير التي تحدّثت عن بدء انسحاب بعض القوات الأميركية من قواعد في مناطق شرق نهر الفرات.
أنباء تلك الانسحابات التي نقلتها وكالة «الأناضول» التركية، جاءت بالتزامن مع معلومات أفاد بها أربعة مسؤولين أميركيين، تقول إن قادة عسكريين مِمَّن يخططون لانسحاب القوات من سوريا، أوصوا بأن تبقى الأسلحة التي قُدِّمت لتشكيلات «قوات سوريا الديموقراطية» في عهدتها. وكشف هؤلاء المسؤولون لوكالة «رويترز» أن هذه التوصيات جزء من مناقشات تجري بشأن مسودة خطة للجيش الأميركي، مؤكدين أن وزارة الدفاع لم تتّخذ أيّ قرار بعد، وأنه سيتمّ عرض الخطة بعد ذلك على البيت الأبيض، كي يتخذ الرئيس دونالد ترامب القرار النهائي في شأنها. ويثير موضوع استرداد الأسلحة من عدمه، مخاوف أنقرة التي تحشد عسكرياً وتهدّد «الوحدات» الكردية. ومن شأن هذا الملف أن يؤثّر على التعاون المرتقب بين الجانبين التركي والأميركي لإنجاز «انسحاب منسّق وبطيء»، كما تتزامن تلك التسريبات مع جهود مستمرة لبعض القوى والشخصيات السياسية الأميركية لتجميد قرار الرئيس ترامب سحب القوات، إذ أكّد السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام أنه سيحاول إقناع ترامب بأن يعيد النظر في قراره، وأنه سيطلب منه «الجلوس مع قادة عسكريين وإعادة النظر في كيفية القيام بذلك، من خلال عدم التعجّل... وضمان عدم ظهور داعش مرة أخرى، وعدم تسليم سوريا للإيرانيين».
وبينما تتواصل عمليات «قوات سوريا الديموقراطية» ضد «داعش» على ضفة الفرات الشرقية في ريف دير الزور، كان لافتاً ما تناقلته وسائل إعلام أمس عن مصادر عراقية، عن توافق سوري ــــ عراقي جديد يتيح للقوات العراقية استهداف تنظيم «داعش» داخل الأراضي السورية، من دون الآلية السابقة المعتمدة للتنسيق، بما يتيح سرعة التحرك للجانب العراقي على الأرض. ورغم عدم صدور تأكيد رسمي، عراقي أو سوري، بمنح مثل هذا التفويض، إلا أن التصريحات التي رافقت الحديث عنه تُعزّز من احتمال وجوده، إذ جاءت الأنباء عنه في أعقاب زيارة قام بها مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض إلى دمشق، أول من أمس، حاملاً رسالة من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى الرئيس بشار الأسد. وركّز اللقاء بين الأسد والفياض، وفق الرئاسة السورية، على تطوير العلاقات واستمرار التنسيق، وخاصة «في محاربة الإرهاب والتعاون القائم في هذا الخصوص، لا سيما على الحدود بين البلدين». كذلك، أشار رئيس الوزراء العراقي، في حديث إلى الصحافيين أمس، إلى أن بلاده سعت إلى اتخاذ خطوة أخرى أوسع في إطار ترتيباتها الحالية مع سوريا، والتي شنّت بموجبها ضربات جوية ضد «داعش» ضمن الأراضي السورية، مؤكداً أن الوفد العراقي زار دمشق حتى «نمتلك المبادرة ولا نتلقّى النتائج فقط». ولفت في معرض ردّه على سؤال في شأن إمكانية تعزيز وجود القوات العراقية في سوريا، إلى أن «هناك مجاميع (جماعات) ما زالت تعمل في سوريا، والعراق هو أفضل الطرق للتعامل مع هذه المجاميع».