القاهرة | وجود أكثر من 1.5 مليون عامل مصري في ليبيا، وما يزيد على مليون أمّ مصرية في ليبيا، ما يعني أن ربع سكان هذا البلد هم من أمهات مصريات، فضلاً عن استثمارات طرابلس الكبيرة في مصر والتي تعدّت تسعة مليارات دولار، قد يكونون كافين لإجراء زيارات متبادلة على أعلى المستويات بين البلدين، فكيف إذا أتت بعد أيام من الأزمة الدبلوماسية التي تسبب بها اختطاف مسلحين خمسة دبلوماسيين مصريين في طرابلس رداً على اعتقال السلطات المصرية القائد السابق لغرفة ثوار ليبيا شعبان هدية.
وكان رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، قد أنهى مساء السبت، زيارته المفاجئة للقاهرة والتي استغرقت يومين، حاول خلالها التأكيد على حسن نية حكومته وحرصها على الإبقاء على العلاقة الطبية مع مصر، بعد أزمة اختطاف خمسة من الدبلوماسيين المصريين في طرابلس رداً على احتجاز أجهزة الأمن المصرية رئيس غرفة ثوار ليبيا، سعيد هدية الملقب بأبو عبيدة الليبي، والتي تسببت بالكشف عن التوتر القائم في العلاقات المصرية الليبية منذ انهيار نظامي القذافي ومبارك في 2011.
«ليس من المنتظر أن يكون هناك تحرك نوعي أو إيجابي في تحسن مناخ العلاقات المصرية الليبية، ولا تزال الدولتان تعانيان من حالة اللادولة بعد ثورتين تسببتا بانهيار منظومة العمل بالمؤسسات الرسمية في مصر وليبيا في العامين الآخرين»، هكذا علق دبلوماسي مصري حضر بعض مراسم الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، للقاهرة.
وقال المصدر الدبلوماسي الذي فضل عدم ذكر اسمه لـ«الأخبار» إن هدف «رئيس الوزراء الليبي يتلخص في توصيل رسالة تبرئ حكومته والنظام الحالي في ليبيا من تصرفات الجماعات المسلحة، وطلب المساعدة العسكرية من القاهرة لمواجهة هذه المشاكل، في الوقت الذي تدور فيه المعارك في أطراف ليبيا وتحاول بعض الجماعات الانفصال عن الدولة».
وأكد المصدر أن ملف الإرهاب والجماعات المسلحة وتهريب الأسلحة كان على قائمة المباحثات، وخاصة مع وزير الدفاع، المشير عبد الفتاح السيسي، إلا أن مصر لم تحصل خلال هذه المباحثات على ضمانات حقيقية من الحكومة الليبية للمواجهة والتصدي لتهريب الأسلحة على الشريط الحدودي، وتعللت الحكومة الليبية بعدم قدرتها على السيطرة على العشائر الليبية التي تحمل السلاح.
ولم تتطرق المباحثات إلى تحديد موعد محدد لعودة النشاط الدبلوماسي المصري إلى ليبيا، حيث تحفظت القاهرة على إرسال مبعوثيها دون التأكد من ضمانات أمنية لحمايتهم والحفاظ على سلامتهم، وهو ما تفهّمه الجانب الليبي.
بدوره، أوضح مسؤول في السفارة الليبية في القاهرة لـ«الأخبار» أن الزيارة «كان لا بد منها لإزاحة الستار عن الغيوم أو الأقاويل التي قد تمتد للنيل من تاريخ العلاقات بين البلدين، كما أن مصر وليبيا لا تزالان تحت رحمة الإرهاب والجماعات المناهضة للثورة، وهو ما يتطلب تضافر جهود الحكومتين المصرية والليبية لإنجاح أهداف ثورتي يناير وفبراير التي ضحى الشعبان من أجلها لإسقاط أنظمة أضرّت بمصالح الشعبين المصري والليبي طوال فترة حكمها، في إشارة منه إلى حكم القذافي ومبارك».
وأكدت مصادر حكومية أن مصر لا تزال على استعداد لتقديم خدمات أمنية وعسكرية لتدريب العناصر الجديدة في الجيش الليبي والمساهمة في تعزيز قدرات الحكومة الليبية في التعامل مع الأوضاع الأمنية غير المستقرة.
وفي تصريحات صحافية لـ«الأخبار» على هامش زيارته للقاهرة، قال رئيس الوزراء الليبي، علي زيدان، «لا نزال نتطلع إلى مزيد من الإصلاحات الأمنية والاقتصادية ونمدّ يد التعاون مع مصر والاستفادة من الخبرات المصرية، لكن نحاول أولاً ضبط المشاكل الأمنية والحفاظ على قدر من الاستقرار النسبي».
وأضاف زيدان «لن نتخذ أي إجراءات قد تضرّ بالعمالة المصرية في ليبيا، ولكن ما تم من إجراءات لتسجيل العمالة وإنشاء قاعدة بيانات والإصرار على الدخول في نظام التأشيرة والإقامة هو لحماية المصريين أولاً، ولا يمكن التراجع عنه في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها الدولتان».
وأوضح زيدان أنه تم التوصل إلى اتفاق مع السلطات المصرية على الصعيد الاستخباري والعسكري أو الأمني لضبط الحدود المشتركة، فذلك يهمنا في ليبيا بنفس القدر الذي يهم مصر لحفظ أمن البلدين. وقد تم الاتفاق مع رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي على اتخاذ كل الإجراءات المشددة التي تمنع دخول مجموعات بعينها من مصر إلى الأراضي الليبية بدون تأشيرة أو تأشيرة مزورة ـــ كما يحدث في بعض الأحيان، لضبط ومنع تسلل أي عناصر إرهابية من المجموعات المسلحة من دخول ليبيا بهذه الطريقة، ثم يعود إلى مصر محملاً بالأسلحة والمتفجرات.
بينما أكدت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن من المنتظر أن يتخذ قرار سيادي ورسمي بإعادة فتح الطريق البري بين مصر وليبيا مرة أخرى، ورفع الحظر عن سفر المصريين على الطريق البري، بعد الاتفاق على مجموعة من الإجراءات الأمنية تقوم بها قوات حرس الحدود المصرية بالتعاون مع السلطات الليبية لضبط الحدود، وعملية السفر بين الدولتين.