وُصفت، في الآونة الأخيرة، مواقفُ كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بـ«المرنة» في التعاطي مع المسار السياسي على الساحة اليمنية في أكثر من محطة، نسبة إلى الموقف الأميركي الذي لا يزال متشدداً، سواء في ما يختص بالداخل اليمني أو إزاء ارتباطه بالموضوع الإقليمي. هذا التمايز له ارتدادات مباشرة على المحطات التنفيذية لتفاهمات السويد في ملفي تبادل الأسرى أو اتفاقية الحديدة، إذ تحاول دول التحالف الخليجي، لا سيما الجانب الإماراتي، الاستفادة من التباين الحاصل بين بروكسيل ولندن، من جهة، وواشنطن، من جهة أخرى، لعرقلة تنفيذ الاتفاق، مباشرة أو عبر أدواتها في اليمن. والهدف فرملة الاندفاعة باتجاه وقف الحرب، في مسعى الغاية منه تحصيل مكاسب سياسية وأمنية لتأمين مصالحها الخاصة، في ظل الانكشاف والتآكل الذي يتعرض له الدور السعودي عامة، وفي اليمن خاصة. تحاول قوى العدوان إعاقة عمل فريق الأمم المتحدة برئاسة الهولندي باتريك كمارت، المكلّف الإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة، وتحصيل مكاسب بـ«قواعد السلوك» (بحسب تسمية الأمم المتحدة) كانت عجزت عن تحصيلها في المجالين العسكري والسياسي. وتتصدر دولة الإمارات وضع العراقيل والعقبات أمام اللجنة الثلاثية المشكلة من الأمم المتحدة وطرفي النزاع، حكومة الإنقاذ وحكومة «الشرعية». تشعر أبو ظبي بخيبة أمل عميقة بعد توقيع تفاهمات السويد، وهي سعت منذ اللحظة الأولى من توقيع الاتفاق إلى التقليل من أهميته، وتعمل الماكينة الإعلامية التابعة لها على تضخيم الخروقات بين الجانبين وإطلاق تكهنات بفشل تطبيق الاتفاق، فيما يشن المقربون منها انتقادات لاذعة للاتفاق وعلى «الشرعية»، متهمين إياها بأنها فرطت بالمكتسبات التي تم تحقيقها. وعلى رأس هؤلاء المقربين «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الذي يعبر عادة عن موقف أبو ظبي، إذ يسود قادته شعور بالمرارة والأسى على ما وصلت إليه الأمور. وينقل قادة في «الانتقالي» عن ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، أن الوضع الصعب الذي يعيشه نظيره السعودي، محمد بن سلمان، هو الذي فرض الموافقة على توقيع تفاهمات السويد. أوساط «الانتقالي» تنقل عن الجانب الإماراتي أنه يعتبر الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، وقوى شمالية بما فيها حزب «الإصلاح» (على رغم محاولة رأب الصدع بين الطرفين) لم تكن معنية في الأصل بالسيطرة على الحديدة، لأن الأمر سيصب في مصلحة الإمارات. وهذا ما لا تريده تلك القوى، بل تفضل التسوية مع «الحوثيين» على خضوع الحديدة للإشراف الإماراتي، لا سيما أن الخصوم المحليين، مثل «حراس الجمهورية» بقيادة طارق عفاش، والفصائل السلفية المحسوبة على الإمارات هي التي كانت تتهيأ لتولي مسؤولية الأمن في الحديدة. وفي السياق ذاته يأتي فرض الجانب الإماراتي على اللجنة المشكلة من قبل حكومة هادي، والتي تضم ثلاثة ضباط معينين من هادي، شخصاً رابعاً (يدعى صادق دويد) كممثل لها، وأبلغت جميع الأطراف أن أبو ظبي لن تسمح بأي اتفاق لوقف الحرب إلا بموافقتها.
يُنقل عن ابن زايد أن وضع ابن سلمان الصعب فرض اتفاق السويد


من جهتها، تتعاطى حكومة هادي (أو ما يسمى بفريق «الشرعية») بلامبالاة في تنفيذ بنود الاتفاق، تماماً بنفس الطريقة السائدة في تسييرها لشؤون الدولة، إذ إن معظم مسؤولي هذه الحكومة لهم مصلحة في استمرار الحرب ويعتبرون أن أي تسوية سياسية ستؤدي بالضرورة إلى إخراجهم من جنة الحكم وسيلحق بهم الضرر الكبير إذا أتيح للاتفاق النجاح. فكما انكشفت ضحالة معرفتهم في تفاصيل الملفات التي نوقشت في السويد، تنسحب تلك الضحالة، بل والفوضى، إلى تطبيق الاتفاق من الناحية الإجرائية، أو ما سمي بـ«قواعد السلوك». وفي هذا الإطار يعمل طرف عبد ربه منصور هادي على حشو كشوفات الأسرى بآلاف الأسماء الوهمية والمكررة كما كشفت «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى»، التابعة لصنعاء، في بيان أمس، جاء فيه أن مجموع الأسماء المقدمة في كشوف الطرف الآخر (الشرعية) 9147، غالبيتها تشوبها الاختلالات، ومن أبرز تلك الاختلالات وجود 2171 اسماً مكرراً و 1144 تم إطلاقهم مسبقاً! وأضافت اللجنة أن من الاختلالات في كشوف الطرف الآخر 1460 اسماً وهمياً وغير مستكمل البيانات و111 اسماً لعناصر من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، إضافة إلى 47 اسماً لأشخاص عليهم قضايا جنائية وأخلاقية. وفي الإطار ذاته، أنكرت حكومة هادي معرفتها بجميع أسماء أسرى صنعاء، على رغم أن كثيراً من أصحاب الأسماء المحذوفة من جداولها يتواصلون مع أهلهم هاتفياً، ويزورهم «الصليب الأحمر الدولي»، ومعروفون بأي سجون يعتقلون.
تجدر الإشارة إلى أن واشنطن كانت السباقة في تشذيب اتفاق السويد والتقليل من قيمته الفعلية والعمل على فرملته، من خلال إدارتها للمسار السياسي أو الدولي و الاستماتة في حماية المتسببين في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، والمقصود في ذلك حماية مسؤولي حلفائها في الحرب (السعودي والإماراتي). وقد بدأ ذلك في مناقشات مجلس الأمن، الأسبوع الماضي، قبل التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2451، إذ نقلت وكالة «رويترز» أن مشاحنات قادتها واشنطن حول النسخة البريطانية لمشروع القرار، وفي خطوة غير معتادة طرحت الولايات المتحدة صيغة خاصة بها مقابل نص لندن. وللوصول إلى إجماع، اضطر المجلس إلى حذف جزء من الصياغة يتحدث عن الحاجة إلى تحقيقات تحظى بشفافية ومصداقية، في شأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي ومحاسبة المسؤولين عنها، كما أزيلت البنود المتعلقة بالأزمة الإنسانية.