رغم التفاصيل القليلة التي خرجت عن زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى العاصمة السورية دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد، إلا أنها فتحت المجال أمام تكهنات واسعة تتقاطع في سياق عودة العلاقات السورية مع المحيط العربيّ، بعد قطيعة لم تطلبها دمشق. الأكيد أن الزيارة التي رعتها روسيا، لم تكن منعطفاً سريعاً ولا ابنة أيام أو أسابيع؛ بل وُلدت قبل أكثر من عام، حين زار البشير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، في تشرين الثاني من عام 2017. يومها تم طرح فكرة لقاء أول من أمس، ليتم بعدها نقل الرسالة من الخرطوم إلى دمشق، التي أبدت ترحيباً بمثل هذه المبادرة/ الزيارة. اليوم، وبعد إتمام الزيارة، بات الجهد الروسي أكثر علنية ووضوحاً في سبيل إعادة ترتيب العلاقات السورية مع المحيط العربي، وهو ما تحدث عنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف غير مرّة. زيارة البشير جاءت أيضاً، بحسب مصادر متابعة، بوصفه مبعوث «التحالف العربي الجديد» (السعودية والإمارات وحلفاؤهما) إلى سوريا، وكانت بعِلم الرياض. ولكونها مقدمة محتملة لخطوات لاحقة على خط «المصالحة»، حرص جميع الأطراف على إبقاء تفاصيلها خارج نطاق التداول. فـ«الكرملن» رفض التعليق على انتقال البشير بطائرة روسية إلى سوريا، محيلاً الصحافيين إلى وزارة الدفاع، فيما اكتفى الوفد السوداني المرافق للبشير بتصنيف الزيارة ضمن إطار «مبادرات جمع الصف العربي وتجاوز الأزمة السورية بعد حالة التخاذل التي تشهدها الساحة العربية في كثير من المحافل»، على حدّ تعبير مساعد الرئيس فيصل حسن إبراهيم. وتقاطع ذلك مع تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي رأى أن الزيارة «تشكّل خطوة إضافية في إطار كسر الحصار الذي فرض على سوريا... لإضعاف دورها على الساحة العربية والإقليمية». ومع الدور المفترض للبشير كمبعوث مقرّب من دول كالسعودية والإمارات، بدا لافتاً تركيز وسائل الإعلام التركية على انتقاد الزيارة من خارج الدوائر الرسمية، وتوسيع دائرة المنتقدين لتشمل أطرافاً سوريين معارضين.هذه الزيارة والأجواء المرافقة لها، جاءت بالتزامن مع تجديد التعهدات الأميركية بالحشد لمقاطعة سوريا في حال «فشل جهود الحل السياسي». وأكد أمس الممثل الخاص لوزير الخارجية الأميركي لشؤون سوريا، جيمس جيفري، أن واشنطن وحلفاءها لن يدعموا أياً من جهود إعادة الإعمار في سوريا ولا التعاون مع الحكومة السورية، إلا في حال الالتزام بتنفيذ القرار الأممي 2254. وضمن حديثه عن جهود «التسوية السياسية» ربطاً بوجود القوات الأميركية في سوريا، أكد جيفري أن بلاده لا تستهدف تغيير «النظام» على غرار ما جرى في العراق وليبيا أو «التخلص من (الرئيس السوري بشار) الأسد»، ولا تريد أن يكون في صفّها، بل تريد رؤية «نظام مختلف... لا يدعم الإرهاب ولا يستخدم الكيميائي، كما لا يهدد الأمن الإقليمي، ويوفر الظروف الملائمة لعودة اللاجئين...».
بعد مراسلة من الخرطوم إلى دمشق، أبدت الأخيرة ترحيبها بالزيارة


وبينما ينتظر ما سيخرج عن اجتماع جنيف الرباعي اليوم بين المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ووزراء خارجية «الدول الضامنة» لمسار «أستانا/ سوتشي»، تركت واشنطن أمس الخيارات مفتوحة، في انتظار إحاطة دي ميستورا المنتظرة بعد غد أمام مجلس الأمن. وأكد جيفري، أن النجاح في تشكيل «اللجنة الدستورية» سيتيح نقل النزاع إلى القنوات الديبلوماسية، وهو ما يتناسب مع الاستقرار النسبي الذي وفّرته إجراءات «منع الصدام» على الأرض. وفي تصريح لافت قد يكشف بعض ملامح «عقد» المرحلة المقبلة، أوضح في لقاء صحافي نظّمه «Atlantic Council»، أن النجاح في تشكيل اللجنة يحتّم الانتقال إلى تنفيذ النقاط التالية في القرار الأممي 2254 (البنود 5 و6 و7)، والتي تتضمن ــــ فيما تتضمنه ــــ تشكيل آلية مرعيّة من الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار. وأشار المسؤول الأميركي إلى أن بلاده أجرت اتصالات مع الأطراف المعنيين بالملف السوري، بما في ذلك روسيا، حول هذه النقطة بالتحديد.
ويتزامن اللقاء المرتقب اليوم في جنيف، مع الذكرى الثالثة لتبنّي مجلس الأمن (بالإجماع) مشروع القرار 2254، الذي بات منذ إقراره محورَ العملية السياسية الرئيس. وينتظر أن يكون اجتماع جنيف اليوم حاسماً لمصير تلك المبادرة، إذ سيتم خلاله نقاش الصيغة النهائية التي خرجت بها مشاورات «الدول الضامنة» لتشكيلة «اللجنة الدستورية»، ليعود دي ميستورا ويحيط أعضاء مجلس الأمن بنتيجة الاجتماع الخميس المقبل. ورغم تأكيد الطرفين التركي والروسي الوصول إلى قائمة «توافقية» لم تُكشف أسماء الثلث الثالث (موضع الخلاف) ولا آلية اختيارها، في وقت أفادت فيه مصادر مطلعة بوجود نقاشات تسبق اجتماعات اليوم، في ضوء اعتراض محتمل من قبل «هيئة التفاوض» المعارضة على عدد من الأسماء المطروحة، مستندٍ إلى موقف «المجموعة المصغرة» الأخير من مسار «أستانا/ سوتشي». غير أن التصريحات التي خرجت عن أنقرة وموسكو أمس، أعربت عن تفاؤلٍ بإعلان تشكيل «الدستورية» اليوم في جنيف.
الجزء الآخر من حديث جيفري في ضيافة «Atlantic Council» ركّز على مصير المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، والتهديدات التركية بشن عملية تستهدف «وحدات حماية الشعب» الكردية. وأكد في هذا الخصوص أن «الاتصالات مستمرة مع تركيا على جميع المستويات... ويجب أن ننتظر لرؤية ما سيحدث». وعن الموقف الأخير المنقول عن الرئيس دونالد ترامب، عن «إيجابيته» تجاه العملية العسكرية التركية المفترضة في حديث هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، رأى الممثل الأميركي أن الجميع في الولايات المتحدة، على جميع المستويات، بما في ذلك الرئيس، يعتبرون أن «أي هجوم هناك هو فكرة سيّئة»، مضيفاً في الوقت نفسه أن واشنطن تتفهم حساسية تركيا من وجود «الوحدات» الكردية على حدودها «بما يشابه مخاوف إسرائيل من وجود حزب الله، والسعودية من وجود الحوثيين». وبينما أكد جيفري، في سياق إجابته عن أحد الأسئلة، دخول قوات من «بيشمركة روج آفا» عبر الحدود العراقية إلى شمال شرقي سوريا، لم يوضح سبب دخولها، غير أنه أشار إلى أن الخطوة أتت بتفاهم بين «التحالف الدولي» و«قوات سوريا الديموقراطية».