هل باتت الضفة المحتلة في تموضع البدء بانتفاضة عنيفة ضد الاحتلال؟ السؤال مدار سجالات ونقاشات إسرائيلية بين خبراء تل أبيب ومعلقيها في اليومين الماضيين، مع تعبيرات واضحة عن الخشية العارمة إزاءها. الجيش والأجهزة الأمنية الرديفة له، وتحديداً «الشاباك»، يؤكدون أن النار التي كان يُحذَّر منها باتت تتكشف عمليات عنيفة على سطح الميدان، مع ترقب المزيد وصولاً إلى أسر جنود. هل هذه هي الضفة التي كاد الاحتلال أن يصفها ويتعامل معها على أنها الجزء الأكثر وداعة وتماشياً معه؟ العمليات المتعاقبة، وبلا سكاكين هذه المرة، تذكر الإسرائيليين بأيام القلق والخوف من الخروج من المنازل جراء العمليات الفدائية المسلحة على أنواعها التي كادت أن تغيب عن جدول الأعمال اليومي للفلسطينيين، وللأسف، بتعاون كامل بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، والاحتلال وأجهزته.السمة العامة لأداء الاحتلال في اليومين الماضيين، مع تجدد العمليات الفلسطينية المسلحة، هي المزيد من الحصار الجماعي والقمع، وتعزيز الحضور العسكري للوحدات وانتشارها الكثيف في طرقات ومفارق الضفة والمعابر التي تربط بين أجزائها، مع مواصلة عمليات التفتيش وتعقب الفلسطينيين، وتطويق المستوطنات لحمايتها من أي «خرق»، لأن التقدير الإسرائيلي لا يستبعد فرضيات تجاوز أسوارها. في الموازاة، عمل الاحتلال أيضاً على الانتشار في محطات الحافلات ومراكز نقل الجنود في المناطق المختلفة من الضفة، وتحديداً ما يراه الأكثر إثارة للقلق جغرافياً، كما أسس لأكثر من 120 دشمة عسكرية دفاعية، في أكثر من عشرين نقطة انتشار على المفارق الرئيسية للضفة.
قائد فرقة الضفة في جيش الاحتلال، العميد عيران نيف، قال في موقف توصيفي للوضع الراهن مع محاولة طمأنة للمستوطنين: «نحن موجودون في فترة متوترة بعد أيام من تمكننا من الوصول إلى منفذي العمليات السابقة، لكننا تعرضنا من جهة ثانية مقابلة، هذا الأسبوع، لثلاث عمليات قاسية»، وأضاف نيف: «في موازاة ذلك، نواصل العمل على منع وإحباط العملية (الفدائية) المقبلة، إلى جانب تعزيز الجهود الدفاعية على الطرقات وفي المستوطنات وحولها». فهل ينجح الاحتلال؟ سؤال يبدو أنه موضع شك، بعد معاينة المعطيات والتعليقات الواردة من عدد من الخبراء، إضافة إلى تسريبات الأجهزة الأمنية نفسها التي أكدت توصيف «الفترة الحساسة جداً، والأكثر إقلاقاً لإسرائيل في الفترة الأخيرة».
في تسريبات الأجهزة الأمنية إشارات واضحة على الخشية من الآتي


ففي التسريبات الواردة إلى الإعلام العبري من الأجهزة الأمنية إشارات واضحة على الخشية من الآتي، وأن «إسرائيل تخشى موجة جديدة من الهجمات الإرهابية في الضفة» (جيروزاليم بوست)، وكذلك «توقع مزيد من العنف وارتفاع في منسوب وتيرته في أنحاء الضفة بما يشمل القدس» (تايمز أوف إسرائيل)، فيما كان التقدير الأكثر تفاؤلاً تعبيراً عن القلق العارم، حيث تشير «يديعوت أحرونوت» إلى أن «سلسلة هجمات إطلاق النار في منطقة عوفرا مُقلقة، وهي تفيد بأن ما قيل عن أن حماس فشلت في تحريك أنصارها لشن عمليات في الضفة هو تقدير خائب، فالنيران التي أُطفئت في غزة اندلعت من جديد في الضفة. وكما في الماضي، هذه المرة أيضاً يتخبّط الخبراء في مسألة هل هذه الهجمات تبشّر بانتفاضة جديدة، أم أنها ظاهرة عابرة».
وتنقل الصحيفة ما يمكن وصفه بتسريبات المؤسسة العسكرية للتملص من المسؤولية وردّها على المستوى السياسي، وهذه هي السياسية والعادة المتبعة في إسرائيل، أي في تراشق المسؤوليات عن الإخفاق، لدى الفشل في صد وقمع الفلسطينيين. تشير «يديعوت» إلى أنهم «في الجيش الإسرائيلي لا يخططون لشن عملية كبيرة في الضفة، وهم غير معنيين بشن عملية مثل السور الواقي عام 2002، لأن القوات تجري يومياً أنشطة واعتقالات»، وتضيف الصحيفة نقلاً للتسريبات أنه «عملياً، ما نراه في الأيام الأخيرة هو تحقق تحذيرات المستوى العسكري للحكومة من تصعيد إذا استمر الجمود السياسي مع السلطة ولم يحدث تقدّم في هذا المسار. لذا، التقدير هو أن الجيش والشاباك لن يدفعا نحو خطوات عقابية تضر بالسكان، ومن شأنها أن تزيد الدافعية لعمليات إضافية».
تترقب إسرائيل الأسوأ أمنياً في الضفة، لكنها هذه المرة معنية بألا تساهم في المزيد من التصعيد عبر إجراءاتها ضد الفلسطينيين. من ناحية تل أبيب، والأجهزة الأمنية تحديداً، إن مزيداً من القمع والحصار وعمليات الانتقام ضد الفلسطينيين يساهم في استيلاد المزيد من العمليات بمستويات مرتفعة وشبيهة، وربما أكثر، بالعمليات التي نفذت أخيراً. في موازاة ذلك، وهنا تكمن المعضلة الإسرائيلية، ثمة حافزية مرتفعة جداً لدى المستوى السياسي في العمل على قمع مع صدى مدوٍّ في الضفة، والظهور بمظهر الأكثر تطرفاً، لمنع الإدانات والاتهامات المساقة ضده من المستوطنين، وكذلك الجهات السياسية المعارضة له.
في الوقت نفسه، تدرك تل أبيب، على المستويين السياسي والأمني، أن الانشغال في الضفة في مواجهة الفلسطينيين وقمع حراكهم العسكري وعملياتهم كما تقدرها وتقدر مسارها المقبل تستهلك منها جل الاهتمام والانشغال، وهذا كله في الوقت الذي تريد فيه التركيز على التهديد الأكثر فعالية وإقلاقاً لها، أي الجبهة الشمالية بساحتيها السورية واللبنانية. بين هذا وذاك، يمكن تحديد إجراءات إسرائيل الفعلية على الأرض ضد الفلسطينيين في الضفة، ما لم يؤدِّ الميدان نفسه إلى مزيد من التعقيدات: إجراءات احترازية وتمتين الموقف الدفاعي الوقائي لمنع أو إحباط العمليات المقبلة، وفي الوقت نفسه موقف هجومي مدروس لا يؤدي بذاته إلى دافعية انتقام لدى الجانب الفلسطيني ودفعه إلى مزيد من العمليات المؤلمة.