الخرطوم | بعد مرور ما يُقارب الأسبوع على خطاب الرئيس السوداني عمر حسن البشير، الداعي الى اطلاق حوار شامل بين كل مكونات البلاد السياسة، وافقت أبرز فصائل المعارضة السودانية مبدئياً على الحوار، لكنها اشترطت على الحكومة أربعة مرتكزات رئيسية قبل تدشينه؛ وهي إلغاء كافة القوانين المقيّدة للحريات، وإطلاق المعتقلين السياسيين وأسرى العمليات العسكرية مع المتمردين، والتحقيق في قتل المحتجين في أيلول الماضي، ووقف الحرب والشروع الفوري في مفاوضات غير مشروطة مع المتمردين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وكل حاملي السلاح.
وشرّعت هذه الموافقة المشروطة للحوار، الباب واسعاً امام تساؤلات المراقبين عن فرص نجاح الحوار من عدمها، وامكان ان تطوي دعوة البشير صفحة الخلاف المتطاولة بين الأفرقاء السودانيين، في ظل تباعد المواقف بين الطرفين، وتباين رؤاهم حول قضايا البلاد المختلفة.
وقبول قوى الإجماع الوطني دعوة البشير، وإن كان قبولاً مشروطاً، يعني تخلي المعارضة الداخلية عن أبرز أهدافها وهو إسقاط نظام «الإنقاذ»، الذي ظل يسيطر على مفاصل الحكم في البلاد لأربعة وعشرين عاماً. وبدا واضحاً أن تحالف قوى المعارضة أراد من اشتراطاته الداعية الى إقامة حكومة انتقالية تدير المرحلة المقبلة الى حين إجراء الانتخابات العامة في 2015، أن يظهر امام الشارع العام بمظهر عدم الإذعان لرغبات حزب المؤتمر الوطني الحاكم ومشاركته السلطة، ولا سيما أن التحالف أعلن في ذات الاجتماع، أنه في حال عدم قبول الحكومة قيام وضع انتقالي، يكون خطوة متقدمة نحو الإصلاح السياسي والدستوري في البلاد، فإن طريق التغيير الحقيقي لن يكون إلا عبر إسقاط النظام. ويرى البعض ان ما أعلنته قوى المعارضة عبارة عن مراوغة سياسية لن تجدي نفعاً، فلا الحزب الحاكم سيقبل شروط المعارضة، ولا المعارضة ستستجيب لمطالب المؤتمر الوطني.
في المقابل يؤكد الحزب الحاكم من جهته أن الهدف من دعوته للحوار هو الاتفاق على القضايا القومية، مثل الدستور والانتخابات العامة المقبلة، وان الجدول المطروح لا يتضمن حكومة قومية أو انتقالية على الاطلاق. ويشدد «المؤتمر الوطني» على أن الحكومة القائمة الآن حكومة شرعية مُنتخبة لن يتنازل عنها الّا بعد الاحتكام الى صناديق الانتخابات. من جهته، قال القيادي في الحزب الحاكم، مولانا أحمد ابراهيم الطاهر، في تصريحات خاصة، إن على أحزاب المعارضة أن تتعامل بعقل مفتوح مع الأطروحات التي تضمّنها خطاب الرئيس البشير، وان تعلي المصالح الوطنية على الحزبية، مشيراً إلى ان دعوة الحوار من قبل البشير، دليل على توافر ارادة الوفاق والسلام. ورأى ان الكرة الآن في ملعب المعارضة وعليها اغتنام الفرصة.
في الوقت نفسه، يرى مراقبون أن على الحكومة، ولإثبات جديّتها في مشاركة القوى السياسية كافة في القضايا القومية، أن توسّع من مشاركة جميع القوى السياسية الداخلية، بما فيها الحركات الحاملة للسلاح.
وعلى الرغم من تكرار الرئيس البشير دعوته الى كل الحركات المسلحة، التي رفضت توقيع معاهدات سلام مع الخرطوم، الى الجلوس على طاولة المفاوضات، الاّ ان الحكومة نفسها ظلّت متمسكة بأن لا اتفاقيات جديدة ستُوقّع مع الفصائل الدارفورية المتمردة، وأن من أراد الدخول في العملية السلمية، فسيكون ذلك ضمن وثيقة الدوحة عام 2011، التي وقّعتها الحكومة مع حركة التحرير والعدالة بقيادة التجاني السيسي. في الجانب الآخر، تقف الحركات المسلحة في موقف واحد تحت مظلة الجبهة الثورية، إذ قال رئيس أبرز تنظيماتها (حركة العدل والمساواة)، جبريل ابراهيم لـ «الأخبار»: «نحن مع الحل السلمي الشامل المُتفَاوض عليه، الذي لا يقصي أحداً، وهذا ما ظللنا نردده منذ قيام الثورة، وهو موقف ثابت لا جديد فيه، ولا تزحزح». واضاف إبراهيم «نحن على استعداد للتفاوض للتوصل الى اتفاق شامل مؤقت لوقف الاعتداءات، على أن يكون التفاوض بين النظام القائم والجبهة الثورية».
وكان لافتاً أن معظم قادة المعارضة الذين حضروا في الصفوف الأمامية خطاب الرئيس، قد حضروا مؤتمر المعارضة الأخير واتفقوا على كل ما جاء فيه؛ ما يعني أنهم باشتراطاتهم تلك إنما يعيدون الكرة إلى ملعب الحكومة، انتظاراً لردها على مطالبهم، ومن ثم الدخول معها في حوار مباشر.
ويتوقع أن يجتمع البشير عقب عودته من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مع المكتب القيادي لحزبه هذا الاسبوع للاعلان عن تفاصيل الوثيقة التي أعلنها، حيث من المنتظر ان يبحث الاجتماع عرض المعارضة وشروطها لقبول الحوار والرد عليها.