يبدو أن إدارة دونالد ترامب ستواجه ضغوطاً متزايدة على خلفية موقفها من اغتيال جمال خاشقجي، بعدما تطابقت إفادة الاستخبارات مع الاتهامات التي وجّهها المشرّعون إلى محمد بن سلمان بالمسؤولية عن الجريمة. وعلى الرغم من أنّ الإدارة لن تتخلّى بسهولة عن محاولاتها لحماية ابن سلمان، إلا أن اجتماع الكونغرس والـ«سي آي إيه» على موقف واحد، وتعاضدهما في وجه البيت الأبيض، قد يدفعان الأخير إلى إعادة حساباته، وهو ما كان ترامب نفسه قد أبقى الباب مفتوحاً أمامه.عزّزت الإفادة التي أدلت بها، أمس، مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جينا هاسبل، بشأن قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، موقف الجبهة التشريعية المناهضة لتعامل إدارة الرئيس دونالد ترامب مع القضية. إذ جاءت تلك الإفادة، التي استمع إليها عدد محدود من المشرّعين خلف الأبواب المغلقة، مطابقة لتصوّراتهم حول دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في الواقعة، وفق ما أكد هؤلاء. تطابق من شأنه أن يشدّد الضغوط على إدارة ترامب، التي تجد نفسها إزاء دفع داخلي متزايد نحو سحب البساط من تحت قدمَي ابن سلمان، وهو ما لا يبدو أنه سيسكن قبل دفع الإدارة إلى تبديل موقفها، الذي يُنتظر أن تستبين مآلاته في الإحاطة الجديدة التي ستقدّمها لمجلس النواب.
وتتالت، مساء أمس، ردود أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين والديمقراطيين عقب استماعهم إلى إحاطة هاسبل، التي كانت قد امتنعت عن تقديمها في جلسة استجواب وزيرَي الخارجية والدفاع، مايك بومبيو وجيمس ماتيس، ما أثار حينها مواقف ساخطة واتهامات للبيت الأبيض بأنه هو من منع مديرة الـ«سي آي إي» من الإدلاء بما لديها. واجتمعت تلك الردود على تأكيد التماثل بين انطباعات المشرّعين ومعلومات الاستخبارات. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية، السيناتور الجمهوري بوب كوكر: «ليس لدي أي شكّ في أن ولي العهد هو مَن أمر بقتل خاشقجي وأشرف عليه»، فيما أشار السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى أن «لديه ثقة كبيرة بأن الجريمة ما كانت لتحصل من دون معرفة» ابن سلمان. وأكد السيناتور الجمهوري، ريتشارد شيلبي، من جهته، أن إفادة هاسبل «أكدت كثيراً من تصوراتنا في شأن مقتل خاشقجي»، فيما جزم السيناتور الديمقراطي، بوب مينينديز، بأن «آرائي السابقة ترسّخت».
انطلاقاً من ذلك، دعا أعضاء مجلس الشيوخ، إدارة ترامب، إلى «اتخاذ موقف أكثر تشدداً» إزاء ولي العهد «المهووس والخطير» كما وصفه غراهام. وفي هذا الإطار، رأى مينينديز أنه «يتعين على أميركا الرد بقوة على حرب اليمن ومقتل خاشقجي»، مشدداً على ضرورة «فرض عقوبات تتجاوز المفروضة حالياً بما يبعث برسالة واضحة لا لبس فيها إلى السعوديين». دعوة تبنّاها أيضاً غراهام الذي دعا إلى تفعيل «قانون ماغنتسكي» ضد الضالعين في حادثة القنصلية السعودية في إسطنبول، فيما اعتبر كوركر أنه «يتعين على ترامب أن يقف في الأيام القليلة المقبلة ويقول إن أميركا لا تؤيد القتل وإلا سفيتحرك الكونغرس»، منبهاً إلى أن «الرسالة التي بعثت بها الإدارة إلى ابن سلمان ستسمح له بمواصلة المسار الذي يمضي فيه».
تقدّم مديرة الاستخبارات إفادة جديدة لمجلس النواب في غضون أسبوعين


هذه المواقف والدعوات من شأنها أن تضع عقبات إضافية أمام سعي إدارة ترامب إلى تبرئة ابن سلمان، بعدما كان تسريب «سي آي إي» خلاصة استخباراتية تُوجّه أصابع الاتهام إلى الأخير قد فتح الباب على معركة داخلية لا تبدو محسومة لمصلحة البيت الأبيض، على رغم استماتة الرئيس ومسانديه في المرافعة عن ولي العهد. والظاهر أن الكتلة التشريعية المناوئة لسلوك ترامب حيال قضية خاشقجي تريد الاستمرار في تضييق الخناق على البيت الأبيض، بالاستفادة مما يبدو أنه وقوف الاستخبارات المركزية إلى جانبها، والذي يُتوقّع أن يتجدد في الإفادة التي ستدلي بها هاسبل، خلال الأسبوعين المقبلين، أمام زعماء مجلس النواب ورؤساء لجانه. ولعلّ إعلان السناتور غراهام أنه «سيعمل مع زملائه في مجلس الشيوخ على إرسال بيان بأن ولي العهد شريك في القتل» يُعدّ مؤشراً واضحاً على المسار التصعيدي الذي تسلكه ضغوط الكونغرس. يضاف إلى ذلك، أن التصويت المحتمل داخل مجلس الشيوخ على مشروع القرار الداعي إلى وقف الدعم الأميركي لـ«التحالف»، الذي أحيل الأسبوع الماضي على لجنة العلاقات الخارجية لمناقشته، سيشكل هو الآخر عنصر دفع مضاداً لما تتطلّع إليه الإدارة، التي «لا تريد على ما يبدو الاعتراف بأدلة تورط ابن سلمان في القتل» وفق ما قال غراهام.
مكابرة إدارة ترامب يُفترض أن تتضح مآلاتها مع حلول منتصف الشهر الجاري، حيث ستقدّم إحاطة جديدة، يشارك فيها أيضاً وزيرا الخارجية والدفاع، إلى جميع أعضاء مجلس النواب، في الـ13 من كانون الأول/ ديسمبر. وفي الانتظار، يُتوقع أن يواصل البيت الأبيض والدوائر المساندة له التنظير لضرورة حفظ العلاقات مع السعودية من أي هزات أو خضات، خدمة لمصالح الولايات المتحدة. وفي ذلك سردية من شقّين: يتصل الأول بأن «علينا التعامل مع السعوديين إذا أردنا إنهاء الحرب في اليمن» وفق ما كان أعلن ماتيس الشهر الماضي، في معادلة تنطبق أيضاً على النزاع الخليجي، بينما يتعلّق الثاني بأهمية بقاء ابن سلمان لمشروعَي «صفقة القرن» و«الناتو العربي». عناوين سياسية لا تنسى الإدارة أن تضيف إليها أهمية الدور السعودي في تحقيق الأسعار المرغوبة أميركياً في سوق النفط، وهو ما يبدو أن الرياض تواجه مشكلة حقيقية بفعله، على اعتبار أنها لا تستطيع الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية، بالنظر إلى خطورته على مشاريعها «الإصلاحية». لكن محاولتها رمي كرة خفض الإنتاج في ملعب منظمة «أوبك» (بما يعفيها من الحرج أمام ترامب) قد تبوء بالفشل هي الأخرى. وفي هذا الإطار، نقلت «رويترز»، أمس، عن مصدر في المنظمة أن «السعوديين يعملون جاهدين على الخفض، لكن إذا قالت روسيا لا خفض، فإننا لن نخفض».



سلمان يدعو تميم إلى القمة الخليجية
أعلنت قطر، أمس، أن أميرها تميم بن حمد، تلقّى رسالة خطية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، يدعوه فيها إلى حضور أعمال القمة الـ39 لمجلس التعاون الخليجي، التي تنعقد يوم الـ9 من الشهر الجاري في المملكة. وجاء هذا الإعلان في وقت أفيد فيه عن رفض السعودية المضيّ في إجراءات لتسوية النزاع المتعلّق بحقوق الملكية الفكرية مع قطر. وقال المندوب السعودي، خلال اجتماع في منظمة التجارة العالمية حول النزاع، إن «قطع العلاقات الدبلوماسية يجعل من المستحيل المضي في أي إجراءات لتسوية» من هذا النوع، معتبراً أن «منظمة التجارة العالمية ليست، ولا يمكن أن تتحول، إلى ساحة لحسم نزاعات تتعلق بالأمن القومي». وأفاد مسؤول تجاري في جنيف بأن ممثلي الولايات المتحدة ومصر والبحرين أيدوا موقف الرياض، بينما وقف دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى جانب الدوحة. وكانت قطر قد رفعت، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، دعوى اتهمت فيها السعودية بعدم اتخاذ إجراء فعال ضد قيام شبكة «بي أوت كيو»، بقرصنة محتوى شبكة «بي إن» القطرية.