قرابة أسبوع، على أقلّ تقدير، يُفترض أن تمتدّ مفاوضات استوكهولم التي يتوجّه إليها اليوم وفد «أنصار الله»، برفقة المبعوث الأممي مارتن غريفيث. إتمام عملية إجلاء الجرحى، وموافقة «التحالف» على اتفاق تبادل الأسرى، رفعا منسوب التفاؤل لدى سلطات صنعاء، التي تلمس هذه المرة «أجواء إيجابية». لكن ذلك لا يلغي الحذر من إمكانية العودة إلى نقطة الصفر، في ظلّ التذبذب في الموقف الأميركي، واستمرار التحشيد العسكري على الجبهات الرئيسية.إذا سارت الأمور على نحو ما خُطِّط لها، يُفترض أن تبدأ الخميس المقبل الجولة التفاوضية المنتظرة بين الأطراف اليمنيين في السويد. جولة تُرافق انطلاقَها جملةٌ من المؤشرات الإيجابية على المستويين السياسي والعملياتي، إلا أن فاعليتها تظلّ محاطة بعلامات الاستفهام، في ظلّ الشكوك الدائرة حول حقيقة الضغط الأميركي على الرياض وأبو ظبي ومدى جديته. إلى الآن، يخطو المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، خطوات مهمة على طريق استئناف المشاورات، في ظلّ موافقة «التحالف» على تذليل العقبات التي أدت سابقاً إلى إفشال جولة أيلول/ سبتمبر قبل بدئها. لكن مجرد جلوس الأطراف إلى الطاولة لا يعني أن ما بعده سيكون مضموناً، بالنظر إلى وجود عدة معطيات تصبغ خطوات السعودية والإمارات وراعيهما الأميركي بطابع المناورة.
وبعد مرور 20 يوماً على إعلان وزارة الخارجية البريطانية موافقة «التحالف» على إجلاء 50 جريحاً من «أنصار الله» إلى سلطنة عمان، أكد «التحالف» الإعلان البريطاني، واضعاً موافقته على الإجلاء في إطار «بناء الثقة بين الأطراف اليمنية». وسرعان ما تُرجِم ذلك عملياً بوصول طائرة إثيوبية تابعة للأمم المتحدة إلى العاصمة صنعاء، حيث أقلّت مساء أمس الجرحى المذكورين إضافة إلى 50 مرافقاً لهم وفريق من الأطباء. خطوة خلّفت انطباعاً إيجابياً لدى «أنصار الله»، على اعتبار أن «نقل الجرحى كان أحد أهمّ التحديات» وفقاً لما تصفه مصادر من الحركة. وفي وقت لاحق، أعلن المتحدث باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أن «الجرحى ومرافقيهم وصلوا إلى مسقط».
وتزامنت عملية الإجلاء الطبي مع وصول غريفيث إلى صنعاء، لمرافقة ممثلي حكومة الإنقاذ إلى السويد، وفق ما كان قد وَعَد به في إحاطته لمجلس الأمن منتصف الشهر الماضي. وقال عضو وفد «أنصار الله»، حميد عاصم، لـ«الأخبار»، إن الوفد سيتوجّه إلى استوكهولم عند الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم، بصحبة غريفيث والمبعوث السويدي إلى اليمن بيتر سمنبي، الذي كان قد أجرى، أمس، مباحثات في الرياض مع وزير الخارجية في حكومة الرئيس المنتهية ولايته، خالد اليماني، حول الترتيبات اللوجستية للجولة التشاورية المقبلة. ومن المقرّر أن يرافق ممثلي صنعاء، أيضاً، السفير الكويتي لدى اليمن، بحسب تأكيد نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، الذي أعلن أن طائرة كويتية ستقلّ مندوبي «أنصار الله» وحلفائها. وعلى رغم أن العائق الرئيسي أمام مشاركة حكومة الإنقاذ في المفاوضات قد أزيل، إلا أن الأمم المتحدة ظلّت حذرة من الإعلان رسمياً عن يوم انعقاد المشاورات خشية ظهور مفاجآت غير محسوبة.
استهدف طيران «التحالف» ميناء الحديدة توازياً مع تعويق حركة السفن


لكن مصادر من «أنصار الله» أفادت، «الأخبار»، بأن المحادثات ستبدأ يوم الخميس المقبل في إحدى ضواحي استوكهولم، وستمتدّ حتى الـ 13 من الشهر الجاري، على أن يتم تمديدها إلى السبت (15 كانون الأول/ ديسمبر) في حال الحاجة. وأوضحت المصادر أن النقاش في الأيام الأولى سيتركز على إتمام إجراءات «بناء الثقة»، إضافة إلى مقترح منح الأمم المتحدة دوراً إشرافياً في ميناء الحديدة. وأضافت أنه في حال النجاح في ذلك، سيتم الانتقال إلى الترتيبات المتصلة بالجانب السياسي. وعن التوقعات من الجولة التفاوضية الجديدة، أشارت المصادر إلى أن ثمة بالفعل «أجواء إيجابية على عكس المرات السابقة»، كاشفة أنه تمّ أمس التوقيع النهائي على اتفاق لتبادل الأسرى والمعتقلين. توقيع أوضح حيثياته رئيس «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى»، عبد القادر المرتضى، الذي أعلن أن «مكتب المبعوث الأممي أبلغنا (أول من أمس) أن مندوب تحالف العدوان وقّع على الاتفاق المبرم بيننا وبينهم على ملف الأسرى، والذي وقّعناه نحن في الـ 15» من الشهر الماضي، متابعاً «(أننا) اليوم (أمس) استكملنا إجراءات التوقيع، وتسلّمنا نسخة من الاتفاق»، آملاً أن «تسير مرحلة التنفيذ بكل سلاسة، وبدون أي عراقيل». كذلك، كشفت مصادر «أنصار الله» أن ثمة تقدماً في المناقشات الجارية بشأن إعادة فتح مطار صنعاء، لكن لم يتم التوصل إلى نقطة حاسمة بعد.
في المجمل، يسود تفاؤل لدى سلطات صنعاء إزاء الجولة التفاوضية الجديدة، في ظلّ تشديد دولي وأممي متزايد على ضرورة وضع حدّ للحرب الدائرة في هذا البلد. وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أمس، أنها أبلغت ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لقائها به على هامش «قمة العشرين»، «ضرورة إنهاء الصراع، وإيصال المساعدات، ودعم جهود المبعوث الأممي لإحراز تقدم في محادثات استوكهولم». ورأت ألمانيا، من جهتها، أن «من الضروري أن تكون هناك محاولة جادة لإنهاء النزاع العسكري والتوصل إلى حل سياسي»، معتبرة أنه «يتعين أولاً وقف إطلاق النار وإجراء تسهيلات إنسانية». وأكدت إيران، بدورها، دعم المحادثات المنتظر انطلاقها في السويد، مبدية استعدادها لـ«المساعدة في إنهاء الأزمة»، وداعية إلى «التسريع في وتيرة تقديم المساعدات الإنسانية». وعلى رغم تزايد الضغط العالمي في اتجاه إنهاء الحرب المتواصلة منذ أكثر من 3 سنوات ونصف سنة، إلا أن مربط الفرس يظلّ في الولايات المتحدة، الراعية الرئيسية لتحالف العدوان، والتي يُنتظر أن يدرس مجلس الشيوخ فيها هذا الأسبوع قراراً بإنهاء الدعم الأميركي المُقدّم لـ«التحالف» بعدما كان قد صوّت على إحالته إلى لجنة الشؤون الخارجية. وفي حال نجاح المجلس في إمرار القرار، فسيشكل ذلك عنصر تضييق إضافياً على إدارة دونالد ترامب، التي تدعي أنها تريد وقف ما تسميها «الحرب الأهلية» في اليمن. ادعاءات ستشكل مفاوضات السويد الاختبار الجدي والحقيقي لصدقيتها، على اعتبار أن إحراز أي تقدم يظلّ مرهوناً بالضوء الأخضر الأميركي وفق ما أظهرته جميع الجولات التفاوضية السابقة.
وفي انتظار ذلك المحكّ، يمكن رصد بعض المؤشرات التصعيدية التي ترى «أنصار الله» أنها ـــ في الحدّ الأدنى ـــ ستعكّر صفو مشاورات استوكهولم. إذ إن ثمة «تحشيداً عسكرياً كبيراً على جبهتَي نهم والحديدة وعلى الجبهة الحدودية أيضاً»، طبقاً لما أفادت به مصادر من «أنصار الله». وهو ما أكده، كذلك، الناطق باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية، يحيى سريع، الذي اتهم «التحالف» بـ«عدم الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار، ومواصلة عملياته العدائية في الميدان خلال الأيام العشرة الماضية». عمليات تجلّى آخرها، أمس، في استهداف ميناء الحديدة بغارة جوية أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة 3 آخرين، فضلاً عن مواصلة تعويق عمل الميناء واتهام «أنصار الله» بمنع وصول السفن التجارية والإغاثية إليه. وبحسب كشف حديث بحركة السفن، اطلعت عليه «الأخبار»، فإن أي سفينة لم تصل إلى أرصفة الميناء يوم أمس، بعدما أخّر «التحالف» يومَي السبت والأحد وصول السفن إلى الغاطس، الذي لم تصل إليه شحنات الديزل والبترول إلا يوم الاثنين.