الجزائر | أفسد «زكام حاد» لقاءً كان مقرراً بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي حط في الجزائر خلال اليومين الأخيرين، في إطار جولة مكوكية عربية سبقت ولحقت «قمة العشرين» في الأرجنتين. وعلى الرغم من حالة الرئيس الصحية، التي يُمكن أن تمنعه ــــ في أي لحظة ــــ من أنشطة رسمية، حتى لو كانت مبرمجة، إلا أن إلغاء اللقاء في الساعة الأخيرة لمغادرة ابن سلمان البلاد، بدا غريباً لدى البعض، كون ترتيب مواعيد على هذا المستوى، عادةً ما يتم التحضير لها بشكل جيد، حتى تتفادى الرئاسة إحراجاً في اللحظات الأخيرة. ففي العادة، تتحفظ الرئاسة على زيارة الضيوف الأجانب قبل الزيارة، في حال وجود أزمة معينة، تماماً كما فعل في موقف مماثل، في زيارة كانت مقررة للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في شباط/ فبراير العام الماضي، ما اضطرها إلى إلغاء الزيارة، بسبب إصابة الرئيس بـ«التهاب الشعب الهوائية الحاد» كما ذكرت الرئاسة في حينها، ليتم إعادة برمجتها قبل أشهر. ما سبق، رجّح تأويلات أخرى، فسرت عدم استقباله بإمكانية أن يكون بوتفليقة قد استشعر الحرج من لقاء ابن سلمان، في ظل سياق إقليمي ودولي يضع الأخير أمام اتهامات لا حصر لها، ووسط حالة رفض داخلية لزيارته، ونداءات أحزاب وشخصيات بارزة عدة لإلغاء الزيارة، لعل أهمها «المجاهد» في الثورة التحريرية، لخضر بورقعة.في ظل غياب الرئيس بوتفليقة، تولى الوزير الأول أحمد أويحى، استقبال ولي العهد السعودي، وأجرى معه محادثات في مقر إقامة الدولة في العاصمة، حضرها كل من وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، وزير الداخلية نور الدين بدوي، وزير العدل حافظ الأختام الطيب لوح، وعدد آخر من الوزراء. لكن كان لافتاً تكتم الإعلام الرسمي في الجزائر، الذي سُمح له بتغطية الزيارة، عن إبراز تفاصيل حول المواضيع التي تطرق إليها الجانبان، علماً بأن طبيعة المسؤولين السعوديين الذين رافقوا ولي العهد، ترجح أن العديد من المواضيع ذات الصلة بالقضايا الإقليمية والدولية قد جرت معالجتها، على غرار ما يجري في اليمن والوضع في الساحل ومسألة النفط، التي تمثل بالنسبة إلى الجزائر مسألة حيوية واستراتيجية، في حين أعلن الجانبان أن هدف الزيارة «السعي نحو إعطاء انطلاقة متميزة للعلاقات التي تربط البلدين، والإرادة المشتركة لقيادتيهما في توسيع الشراكة الاقتصادية بينهما».
الوفد المرافق لابن سلمان، ضمّ شخصيات من الدائرة الأولى في النظام الملكي، على غرار المستشار في الديوان الملكي، تركي بن محمد بن فهد، ووزير الداخلية، عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووزير الخارجية، عادل الجبير، ورئيس الاستخبارات العامة، خالد الحميدان، ما عكس الاهتمام السعودي بالزيارة، في ظل «أزمة صامتة» تطبع علاقات المملكة بالجزائر. أما على المستوى الحزبي، فطغت على أجواء الزيارة ظلال الانتهاكات المتورط بها ابن سلمان. زوبيدة عسول، الوجه القيادي في المعارضة، لم تستغرب استقبال السلطة ابن سلمان وعدم مبالاتها برأي الشعب، وهي التي تقمع كل رأي مخالف لرأيها، حتى في السياسة الداخلية والحريات، مشيرة إلى أنه بات من الطبيعي أن «لا تكترث لرأي الشعب بشأن استقبال نظام يرتكب أبشع جرائم التقتيل بحق الشعب اليمني، أو عملية قتل والتنكيل بجثة الصحافي (جمال) خاشقجي، في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول».
من جانبه، انتقد حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية»، ذو التوجه العلماني، زيارة ابن سلمان، مستغرباً كيف أن «مناوراته التي تسببت في انهيار أسعار المحروقات، وتقرّب هذا الأمير من الحكومة الإسرائيلية، لم يكن لهما أيّ أثر على الإسراع في فرش البساط الأحمر لقائد سياسي يشار إليه بأصابع الاتهام، في واحدة من أبشع الجرائم». وتوحدت مع هذه الرؤية أحزاب أخرى، عبرت عن رفضها الشديد للزيارة، كحركة «مجتمع السلم»، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، الذي اعتبر رئيسها، عبد الرزاق مقري، أن الزيارة «لا تخدم صورة الجزائر عربياً ودولياً»، وحزب «العمال» اليساري، الذي وصفت أمينته العامة، لويزة حنون، إعلان استقبال الجزائر لابن سلمان بـ«النكتة السيئة، والاستفزاز الكبير، والانحراف والمغامرة».
ورغم تأكيد وزير الطاقة الجزائري، مصطفى قيطوني، الأسبوع الماضي، أن الزيارة التي تستبق اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» وشركائها، المقرر نهاية هذا الأسبوع، في فيينا، «لا علاقة لها بالمعطيات الحالية للسوق النفطي العالمي»، إلا أنه بحث مع نظيره السعودي، خالد الفالح، قضية استقرار أسواق النفط العالمية، فيما علق وزير الطاقة الجزائري الأسبق، شكيب خليل، مساء السبت، على تقهقر أسعار النفط، بتحميل السعودية المسؤولية، على خلفية الضغوط التي تلقتها من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول. أما حركة «البناء الوطني»، فاتهمت ابن سلمان بـ«تعويم سوق» النفط، ما يرقى، وفق بيان لها سبق الزيارة، إلى «إعلان حالة حرب حقيقية ضد العديد من الدول؛ من بينها الجزائر».