بعد فشل الجهود الدولية، الغربية أساساً، والمتمثلة في مؤتمر «باريس» وقمة «باليرمو»، لوضع أسس انتقال سياسي ينهي الأزمة المتواصلة منذ أربعة أعوام، نجح البرلمان الليبي، الاثنين الماضي، في إدخال تعديلين على «الإعلان الدستوري» الذي يسير البلاد، في ظل غياب دستور دائم، قد يكون لهما أثر مهم على واقع البلاد السياسي والمؤسساتي، تختلف التقديرات حول تقييمه. شمل التعديل الأول تضمين قانون الاستفتاء على الدستور في «الإعلان الدستوري» (كُتب في عام 2011)، ويهدف ذلك أساساً إلى «تحصين» المادة السادسة من القانون، التي تنص على تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم انتخابية (برقة في الشرق – طرابلس - فزان في الجنوب)، واعتماد نظام انتخابي يستوجب أن يحوز مشروع الدستور على موافقة 50% زائد واحد من الناخبين في كل إقليم، وأن يحوز على موافقة ثلثي الناخبين على مستوى وطني.هذا «التحصين» كان أمراً ضرورياً، لأن «الإعلان الدستوري» ينص على أن البلاد بمجملها تمثل إقليماً انتخابياً واحداً. لكن التصويت الإيجابي، وإن تم يوم الاثنين، بوجود 135 نائباً (من بين 188)، لم يمر من دون احتجاج، حيث يرفض جزء من السياسيين والنشطاء، تقسيم البلاد إلى أقاليم. من هؤلاء، رئيس لجنة الإعلام في «المجلس الأعلى للدولة»، عبد الرحمن الشاطر، الذي اعتبر في تصريحات صحافية أن «مجلس النواب يجدّف ضد التيار الوطني العام، ورغبة الليبيين في الاستقرار والتمتع بوطن موحد»، معتبراً الجلسة «تاريخية، لأنها دقت إسفيناً مسموماً في وحدة البلاد وتعافيها». بدوره، قال النائب عن طرابلس، المقاطع لأنشطة البرلمان، حمودة سيالة، في تدوينة على صفحته في «فيسبوك»، إن تقسيم البلاد إلى ثلاث دوائر انتخابية، واشتراط عتبة موافقة في كل منها، يُعد «إخلالاً بأبسط قواعد المساواة بين المواطنين في حقوق المواطنة»، مضيفاً أن «معالجة أزمات المركزية في جزء من البلاد، لا يجب أن يكون على حساب حقوق المواطنة»، بل عبر «سياسات وتدابير إدارية».
في واقع الأمر، يرى عدد من هؤلاء الرافضين، أن الاشتراطات التي ضُمّنت في الإعلان الدستوري، تهدف إلى إحباط مشروع الدستور الجديد، ومن ثم إعادة كتابته بما يناسب تطلعات أنصار الفيدرالية، المعولين على شعور الناس في شرق البلاد خاصة، وجنوبها بدرجة أقل، بالضيم والتهميش على مدى عقود. في هذا السياق، قال الشاطر، إن ذلك «فخٌ يعني عملية اغتيال مسبقة لمشروع الدستور الذي سيحبطه إقليم واحد ويقضي عليه».
من جهة أخرى، شمل التعديل الثاني، تضمين «الاتفاق السياسي»، الذي توصل إليه مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة»، حول إعادة هيكلة السلطة التنفيذية، في «الإعلان الدستوري». لشرح الأمر، يجب الإشارة إلى أن «الاتفاق السياسي»، أو اتفاق الصخيرات للمصالحة، وُقع في نهاية عام 2015، من قبل عدد محدود من نواب البرلمان، ومن قبل «المؤتمر الوطني العام»، وأفضى إلى حل الأخير، وانتقال أغلب أعضائه إلى هيئة استشارية مستحدثة (المجلس الأعلى للدولة)، وتشكيل مجلس رئاسي من تسعة أعضاء، يترأسه فائز السراج، الذي تولّى أيضاً رئاسة حكومة «الوفاق الوطني».
تنص التعديلات على تشكيل «مجلس رئاسي» جديد وفصله عن الحكومة


بعد ذلك، دخلت حكومة السراج إلى طرابلس في بداية عام 2016، لكن مجلس النواب رفض منحها ثقته في مناسبتين، وتشبّث بـ«الحكومة المؤقتة»، التي يرأسها عبد الله الثني، وتسير شرق البلاد، وأجزاء من جنوبها، من دون أن يكون لها اعتراف دولي. لم يعترف مجلس النواب أيضاً بـ«المجلس الأعلى للدولة» رسمياً، لأنّه لم يصوت على «الاتفاق السياسي»، الذي ينص على تشكيله.
ما حصل يوم الاثنين، هو تضمين «الاتفاق السياسي» في «الإعلان الدستوري»، لكن بصيغته المعدلة، التي يوافق عليها المجلسان، ما يعني حصول اعتراف رسمي متبادل بين المجلسين، لكنه يعني أيضاً، أن حكومة «الوفاق الوطني» لا تزال فاقدة للاعتراف. ما الحل إذاً لإيجاد سلطة تنفيذيّة موحدة ومعترف بها؟ تنص الصيغة التي تم الاتفاق عليها، على تشكيل «مجلس رئاسي» جديد، يحوي ثلاثة أعضاء فقط، يختارهم نواب مجلسي البرلمان و«الأعلى للدولة»، بناءً على انتمائهم الإقليمي، ويضاف إلى ذلك، فصل «المجلس الرئاسي» الجديد عن الحكومة.
حتى الآن، يبدو أن هذا الاتفاق في مصيره إلى التحقق عملياً، إذ صرح النائب البرلماني، عيسى العريبي، أمس، بأن «المشاورات مستمرة بين التجمعات الانتخابية المشتركة بين أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة عن كل إقليم من أجل اختيار مجلس رئاسي جديد من رئيس ونائبين»، وأكد أنها ستنتهي «خلال أقل من شهر»، وتفضي إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة «تتوحد بموجبها جميع المؤسسات من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، والحد من التدخلات الخارجية التي كانت تدعم طرفاً ضد طرف آخر»، وأنهى حديثه بالقول إن السلطة الجديدة هي من «ستشرف على (تنظيم) الاستفتاء والانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة».
بدورها، قالت بعثة الأمم المتحدة الخاصة إلى ليبيا، في تدوينة نشرتها على صفحتها في «تويتر»، إنها «ترحب بسعي مجلس النواب لإصدار التشريعات الضرورية للانتقال إلى مرحلة المؤسسات الثابتة، من خلال الاستفتاء على مشروع الدستور وإجراء انتخابات عامة».
(الأخبار)