يواصل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، جولته الخارجية التي بدأها الخميس الماضي، في محاولة لحشد تأييد عربي وأفريقي لشخصه، قبيل توجّهه إلى الأرجنتين، حيث يُفترض أن يشارك في «قمة العشرين»، ويلتقي عدداً من زعماء الدول. وتترافق جولة ابن سلمان مع تصريحات من مسؤولين حاليين وسابقين، تنمّ عن أن السعودية انتقلت من مربّع الدفاع إلى مربّع الهجوم، مستعينة على ذلك بالدعم غير المحدود الذي لاقته من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. لكن التغطية «الترامبية» للأمير الشاب تبدو على المحكّ، في ظلّ استمرار الجدل الداخلي في الولايات المتحدة على خلفية قضية مقتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، واعتزام الديمقراطيين التحقيق في خلفيات تعامل البيت الأبيض مع القضية.واختتم ابن سلمان، أمس، زيارته الإمارات بلقائه نائب الرئيس الإماراتي، حاكم دبي محمد بن راشد، قبل أن ينتقل إلى البحرين، التي أجرت لتوّها انتخابات نافس فيها مرشّحو السلطة أنفسهم. واستبق وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، زيارة ولي العهد بالإشادة بـ«الديمقراطية» البحرينية التي بذلت الرياض أقصى جهودها في كتم الأصوات المنادية بها. ورأى الجبير أن «نتائج الانتخابات النيابية والبلدية في مملكة البحرين الشقيقة، ونسبة المشاركة العالية للناخبين، تعتبر رفضاً قاطعاً للتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، وتؤكد وحدة الشعب البحريني الشقيق وثقته بقيادته». موقف يلمّح الجبير من ورائه إلى إيران، التي يريد الحكم السعودي تعزيز أوراقه في شأن مواجهتها لدى كلّ من واشنطن وتل أبيب، سعياً في إدامة مظلّة الحماية التي أمّنتها العاصمتان لابن سلمان. ولعلّ هذا هو ما قرأته تيارات بحرينية معارضة في زيارة الأخير للمنامة، إذ وضعتها في إطار «خطة عاجلة وطارئة لنفض غبار أزمات الحكم السعودي والكيان الصهيوني، وتجديد دوريهما، وتحقيق أهداف شيطانية».
يعتزم الديمقراطيون التحقيق في تأثير علاقات ترامب المالية على مواقفه


بعد البحرين، ينتقل ابن سلمان إلى محطّة ثالثة في جولته، كان يُفترض ـــ منطقياً ـــ أن تمثّلها المملكة الأردنية، التي حضر زعيمها عبد الله الثاني، وحده من بين الزعماء العرب، «مؤتمر دافوس الصحراء» (23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي)، لدى اشتداد الهجمة الدولية على السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، إلا أن التعريج على الأردن لن يحدث. استثناء يطرح علامات استفهام حول العلاقة بين الرياض وعمّان، خصوصاً أن عبد الله عَمد، قبل أيام، إلى إقالة مبعوثه الخاص إلى السعودية، والمقرّب من ابن سلمان، باسم عوض الله، في خطوة قُرئت لدى البعض على أنها استشعار أردني لتغييرات محتملة في قصر اليمامة، يريد الملك النأي بنفسه عن حليفه تحسّباً لها. هذه التساؤلات تتقدّم أيضاً لدى ملاحظة غياب المغرب عن جدول أعمال الجولة الخارجية لولي العهد السعودي، علماً بأن العلاقات بين الرياض والرباط ليست ـــ منذ فترة غير قصيرة ـــ على ما يُرام. مع ذلك، فإن تمنّع ابن سلمان عن زيارة المغرب يشي بأن ثمة إشكالية طارئة ما، يفسّرها محلّلون مغاربة بأن الرباط لا تريد المجازفة بعلاقاتها مع الغرب، في وقت من غير المحسوم فيه إذا ما كان ابن سلمان «سينفد بجلده». وفي قبالة غياب الرباط، يبدو لافتاً حضور نواكشوط على أجندة ابن سلمان، بعدما شهدت العلاقات بين الجانبين تطوراً كبيراً منذ وصول محمد ولد عبد العزيز إلى سدّة الرئاسة، والذي فتح الباب على تماهٍ موريتاني كبير مع مواقف الرياض.
وبمعزل عن جدول أعمال الجولة الأولى من نوعها منذ مقتل خاشقجي في الثاني من الشهر الماضي، فإن تحركات ابن سلمان الخارجية تشي بـ«انتعاش» سعودي دفع سلطات المملكة إلى كسر الجمود الذي سيطر طيلة الشهرين الماضيين على ديبلوماسيتها، وإعلاء سقف خطابها السياسي والإعلامي. وهو ما يتجلى، أيضاً، في التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق للمخابرات السعودية، تركي الفيصل، أول من أمس، للصحافيين في أبو ظبي، إذ انتقد ما خلصت إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من مسؤولية مباشرة لابن سلمان عن مقتل خاشقجي، مسترجِعاً الذرائع التي رفعت لافتتها الولايات المتحدة أوائل العقد الماضي لغزو العراق، ليقول إن «هذا كان من أوضح التقييمات غير الدقيقة والخاطئة»، وبالتالي «لا أرى سبباً لعدم تقديم سي آي إيه للمحاكمة في الولايات المتحدة».
موقف هجومي يستكمل ما كان أعلنه وزير الخارجية عادل الجبير، من أن القيادة السعودية ـــ مُمثّلة في الملك وولي العهد ـــ «خط أحمر»، لكن تلك «الجرأة» من غير المضمون إذا ما كان السعوديون يستطيعون الاستمرار فيها وحصد نتائجها، في ظلّ السخط الداخلي المتنامي على داعمهم الرئيس، دونالد ترامب، بفعل تبرئته ابن سلمان من دم خاشقجي. ويوم أمس، أعلن الرئيس المقبل للجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، الديمقراطي آدم شيف، اعتزام حزبه التحقيق في علاقات الرئيس المالية، لتحديد إذا ما كانت هي «اليد الخفية» التي تحرّك السياسة الخارجية للولايات المتحدة. واتهم شيف ترامب بأنه «غير صادق»، متسائلاً: «هل مصالحه المالية الشخصية وراء السياسة الأميركية في الخليج؟ وتجاه الروس؟ لا نعرف، ولكن سيكون من غير المسؤول عدم المعرفة».