ينحصر توجّه حلفاء الرياض في كيفية التعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان بعد جريمة قتل جمال خاشقجي، يوماً بعد يوم، بتوجّهين، يُمثل البيت الأبيض وسيده الرئيس دونالد ترامب، الأول، الداعي إلى طيّ صفحة جريمة خاشقجي، بالقبول بتقديم ابن سلمان «مجموعة مارقة» كـ«كبش فداء» للحفاظ على الصفقات السياسية والتجارية المبرمة منذ جولة الرئيس الخارجية الأولى إلى الرياض وإسرائيل، فيما يمثل التوجه الثاني دول أوروبية كألمانيا، وجهات أميركية مناهضة لموقف ترامب، كوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، ومعظم أعضاء الكونغرس الديموقراطيين والجمهوريين، والصحافة، الذين يدعون إلى وقف مبيعات الأسلحة للرياض، وفرض عقوبات على ابن سلمان وفق قانون «ماغنيتسكي»، ودعم تحركات أمراء نافذين، يقودهم أحمد بن عبد العزيز، لكسر أحادية الحكم، التي يتمتع بها ابن سلمان، بضوء أخضر أميركي.وسط هذا الجدل، تفرض تداعيات الجريمة داخلياً وخارجياً نفسها على ترامب بما يضعف موقفه الداعم لابن سلمان، في ظل تسريبات مقطّرة من أنقرة حوّلت الجريمة إلى كرة ثلج لا يمكن وقفها بمجرد بيان من الرئيس، على قاعدة «أميركا أولاً» أو «السعودية أولاً»، كما وصف ذلك السيناتور الجمهوري راند بول، أمس، وفي حين تبدو «معركة» خاشقجي «الأخلاقية» داخل الولايات المتحدة جزءاً لا يتجزأ من الحملة على الرئيس وإدارته، اشتدت منذ إعلانه دعمه لولي العهد، في بيان أول من أمس، وتجاهل تقييم الـ«سي آي إيه» الذي خلص إلى أن ابن سلمان هو من أصدر الأوامر بقتل خاشقجي.
هي خلاصة، ما كانت لتكون، بحسب وكالة «بلومبرغ»، لولا أن الوكالة تمتلك الدليل القاطع أولاً، ولاعتقادها ثانياً بأن بقاء ابن سلمان لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وجهات النظر المختلفة تلك لم تمنع ترامب من المضي بدعمه لابن سلمان، لكنه أبدى استعداده لكل الاحتمالات التي قد تنتهي إليها قضية خاشقجي، لا سيما بشأن بقاء ابن سلمان في الحكم أو لا، بتعهده بأن يظل «شريكاً راسخاً» للسعودية «لضمان مصالح بلادنا وإسرائيل وكل شركائنا في المنطقة» كما قال، في فصل بين علاقته بولي العهد وعلاقته بالنظام السعودي.
ما يسعى إليه ترامب حالياً هو التعامل مع الواقع الجديد، بمسار يُبقي ابن سلمان على رأس السلطة، على أن يوقف تهوّره وعبثه بمنظومة المصالح المشتركة، السياسية، كحرب اليمن و«صفقة القرن» وتحالف «الناتو العربي» ضد إيران، والاقتصادية، كإعادة ضخ استثمارات في أميركا، وهو ما بدأ به الوليد بن طلال أخيراً بعد تشوّه صورة ابن سلمان لدى المستثمرين الأجانب، وتسريع تسديد التزامات المملكة المادية، المتعلقة بالعقود الدفاعية الأميركية، وهو ما شدّد عليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أول من أمس، عقب بيان ترامب. ووفقاً لذلك، لا يمانع ترامب كسر أحادية القرار في قصر الحكم، من سبيل مجاراة خصومه الداخليين وبعض حلفائه الأوروبيين، الذين يرون في تقليص سطوة «الجناح السلماني» سبيلاً لتخفيف حدة تهور ابن سلمان تجاه خصومه من الأمراء والناشطين والدعاة والإعلاميين. وتمثلت تلك السياسة بعودة عمه أحمد بن عبد العزيز، الذي تبرّأ من سياسته ولم يبايعه قط، من لندن، بضمانات أوروبية وأميركية، وبتأجيل محاكمات الناشطين والدعاة التي كانت مقررة نهاية الشهر الماضي ومطلع هذا الشهر. لكن عودة أحمد فرضته عملياً كشريك لابن سلمان في طريق العرش، بدا ذلك في رسالة مرّرها «مسؤولون أميركيون كبار» عبر وكالة «رويترز» كما وصفتهم، إلى الأمراء النافذين، قبل يومين، مفادها أن باب التغيير من الداخل قد فُتح، وأنهم يدعمون مسعى عشرات الأمراء وأبناء العمومة، من الفروع ذات النفوذ في الأسرة الحاكمة، لدعم أحمد لتولي الحكم بعد سلمان، بتأييد من أعضاء الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية، كما قال مصدر من ثلاثة للوكالة، للحيلولة دون ارتقاء ابن سلمان عرش المملكة بعد وفاة الملك، ما يجعل أحمد، الوحيد الباقي من السديريين السبعة على قيد الحياة، غير سلمان، أشبه بولي عهد ثانٍ، يزاحم ابن سلمان في قصر والده العجوز.
وضعت واشنطن عهد سلمان نقطة فاصلة في مستقبل المملكة


عن قصد أو غير قصد، وإثر الصراع المحتدم بين ترامب وخصومه، وضعت واشنطن عهد سلمان نقطة فاصلة في مستقبل المملكة، ما بعدها ليس كما قبلها، إذ إن دعم ولي العهد ابن سلمان، في وقت يحظى فيه عمه أحمد بن عبد العزيز، بدعم أميركي وأوروبي لما يقوده من تحرك داخل المملكة، لتولي العرش بعد موت سلمان كما يبدو، يضاعف من احتمالات الصراع على العرش، المحتمل بعد موت سلمان، إذا ما تحرك أحمد ومن يؤيده من الأمراء لتنصيبه ملكاً، كونه يضع ابن سلمان ـــ الذي قال في مقابلة لقناة «سي بي أس» الأميركية، في آذار/ مارس الماضي، إنه لن يوقفه «شيء غير الموت» ـــ أمام خيارين: إما أن يرضخ لقرار العائلة الحاكمة بالتنحّي وتقديم عمّه أحمد ملكاً، أو أن يصطدم بأجنحة القصر الداعمة للأخير.
إزاء ذلك، تستشعر الرياض أن ثمة من يحاول «المساس» بقيادة المملكة، ممثلة بالملك سلمان وولي العهد، كما عبّر وزير الخارجية عادل الجبير، الذي اعتبر ذلك «خطاً أحمر»، في رسالة إلى الداخل والخارج، بأن صبر ابن سلمان على تطلبات حلفائه بتخفيف حدة المواجهة مع خصومه وفتح الباب لأجنحة أخرى للعب دور في المملكة، قد ينفد، بمجرد أن يستشعر الخطر على مستقبله في طريقه إلى العرش.



ترامب والكونغرس: مواجهة مفتوحة
وسط الجدل المحتدم داخل بلاده حول كيفية وجوب التعاطي مع ولي العهد محمد بن سلمان، بعد جريمة قتل خاشقجي، لا يُبدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اهتماماً يذكر بتنامي الأصوات المناهضة لموقفه الداعم لولي العهد، لا سيما من أعضاء الكونغرس الجمهوريين البارزين، الذين أبدوا مواقف غير مسبوقة ضد الرياض، أمثال ليندسي غراهام، وبوب كروكر، وماكرو روبيو، وراند باول، وبوب مينينديز، على رغم استطاعة المشرعين الجمهوريين، إذا ما توحدوا مع الديموقراطيين، الضغط على ترامب أكثر، وإرباك علاقته بمحمد بن سلمان. لا يملك الكونغرس خيار إجبار ترامب على فرض عقوبات على ولي العهد، وفق قانون «ماغنيتسكي»، كونه يحق للرئيس رفضها ببساطة، من دون أن يخشى لجوء الهيئة التشريعية لمقاضاته، في حين تسيطر على المحكمة العليا، القوى اليمينية التي تحترم توجهاته الخارجية. لكن يُمكن للمشرعين، إذا ما اتحدوا على إرباك علاقة الرئيس بولي العهد السعودي، استخدام ورقة منع إتمام صفقات السلاح الكبرى التي تبدو أحد أهم أسباب دعم ترامب للأمير السعودي وذلك من خلال الاتفاق بين الجمهوريين والديموقراطيين على عدم تمرير أي صفقات جديدة في الكونغرس. إذ يمكن لرئيس لجنة العلاقات الخارجية، بوب كروكر، وأكبر عضو ديموقراطي في اللجنة، بوب مينديز، اللذان يرفضان موقف ترامب الأخير، وقف مبيعات الأسلحة. وعلى رغم أن القانون يمنح ترامب سلطة الطعن في قرار التعليق، لكن في حال توافُق غالبية الثلثين في الكونغرس، على رفض البيع، بعد فترة مراجعة مدتها 30 يوماً، تبطل صلاحية الرئيس هنا، ما يجبره على وقف مبيعات الأسلحة حينئذ.
(الأخبار)