القاهرة | يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي المصريين بالانتظار لحين تسلّم المرحلة الأولى من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي يجري تنفيذه في قلب الصحراء على طريق القاهرة ــــ السويس على مساحة شاسعة من الأراضي. لكن المشروع الجديد الذي يعوّل عليه السيسي لا يوفّر تنمية حقيقية، كما يحاول الترويج في جميع أحاديثه. فالعمليات الإنشائية تجري من أموال الدولة ممثّلة في «هيئة المجتمعات العمرانية» التي تمتلك 49 في المئة، والجيش الذي يمتلك 51 في المئة، ما يخوّله حق الإدارة، لكن على أرض الواقع لا تأثير مطلقاً لأي من مسؤولي «هيئة المجتمعات» التي تتبع وزارة الإسكان. الكلمة العليا للجيش الذي ينتشر ضباطه المتقاعدون في جميع المواقع بلا استثناء، مشرفين على عمليات التنفيذ التي تجري في المباني الحكومية.في شارع كبير وسط الصحراء، ظهرت أبراج عدة انتهت غالبيتها من التأسيس والبناء، ودخلت في مرحلة «التشطيبات». مبان للوزارات المختلفة انطلق بناؤها قبل أقل من عامين، لتتحول المنطقة من تربة صحراوية غير قابلة للبناء إلى «الحي الحكومي». تدخل الشارع الرئيسي الممهّد فقط حتى الآن، لتشاهد في نهايته مقر مبنى مجلس الوزراء الكبير الذي يجري بناؤه، وفي جواره مبنى البرلمان الذي تأخر بسبب الشركة المنفذة له، التي لا تسير حتى الآن وفق الجدول الزمني. في المنطقة التي يشرف عليها ضباط في الجيش، أسندت «الهيئة الهندسية» للقوات المسلحة مباني الوزارات، حيث تحصل كل شركة على مربع يضم وزارتين أو ثلاثاً، بحسب طبيعة المبنى الخاص بكل وزارة.
المؤكد أنه مثلما تم البناء على عجل، فإن التخطيط أيضاً جرى على عجل، وهو ما سيخرج منطقة مشوهة ما لم يتم تدارك الأمر بتغيير مواقع بعض الوزارات. فوزارة الكهرباء بجوار وزارة البترول، بينما الوزارة المعنية بشؤون البرلمان بجوار وزارة الصحة، ووزارة الثقافة هي الملاصقة للبرلمان، فيما تم تنفيذ ممر خارجي يربط بين وزارتي النقل والصحة بحيث يتنقّل العاملون بين الوزارتين داخلين من الدور العليا! صحيح أن معدلات تنفيذ المباني في حي الوزارات تسير بمعدلات عالية وستتمكن الحكومة من تطبيق خطتها لنقل الوزارات من وسط القاهرة لهذه المباني بحلول 2020، لكن المشكلة الأكبر أن المنطقة غير مجهّزة حتى الآن بأي وسائل مواصلات يمكن أن تسهّل التنقل بين أحيائها الشاسعة. كما أن التخطيط في هذه المنطقة يوفّر جدولاً زمنياً للانتهاء من المباني فقط، دون أن يحدد الجدول الزمني الذي يمكن أن تنتهي آخره وسائل المواصلات من الوصول إلى المنطقة، وخاصة مع اتساع الأراضي وعدم وجود مبانٍ يمكن أن يقيم فيها موظفو الحكومة بالقرب من أشغالهم.
الحكومة في تحدّيات لم تخطط لها قبل 18 شهراً من الانتهاء


في فلسفة البناء الجديدة وإطلاق المشروع، تحدّث السيسي عن أهمية تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة وإخلاء مباني الوزارات وتوفير سكن لموظفي الدولة ليكونوا بجوار المواقع الجديدة لأشغالهم، ليؤسس أول عاصمة جديدة في تاريخ مصر لا تطل على نهر النيل أو البحر. لكن الواقع مع تبقّي أقل من 18 شهراً على الانتهاء من المشروع تبقى الحكومة في مواجهة تحديات لم تخطط لها. بداية من طريق الوصول إلى العاصمة الجديدة الذي لم يبدأ العمل فيه حتى الآن، فضلاً عن أن المشروعات التي سيتم إطلاقها مرتبطة بالقطارات السريعة التي لن تناسب أسعار تذاكرها أو حتى اشتراكاتها فئة موظفي الدولة. فهؤلاء سيكونون على موعد مع معاناة في الموقع الجديد، وخصوصاً أن الحكومة تخلت عن فكرة إنشاء مبان سكنية لهم بالقرب من الوزارات، مكتفية بتنفيذ مشروعات إسكان فاخرة لا يقل فيها سعر الوحدة عن 70 ألف دولار.
باستثناء وزارة الدفاع، تبدو جميع الوزارات في منطقة واحدة داخل حي الوزارات، أو «الحي الحكومي» كما يطلق عليه، بينما قطعت خطوات عديدة في تنفيذ وزارة الدفاع التي تم الانتهاء من جزء كبير منها خلال الفترة الماضية، فيما تم إنجاز نحو 70 في المئة من القصر الرئاسي الذي سيكون مقراً للحكم. في الوقت الحالي، انتهى الجيش من تنفيذ وتشغيل فندق «الماسة كابيتال» الذي تم افتتاحه قبل أشهر. فندق وسط الصحراء لا يقيم فيه سوى القادة العسكريين، باستثناءات قليلة، بينما تقام فيه بعض الفاعليات الخاصة بالدولة في وقت لم تقم فيه غالبية شركات القطاع الخاص، التي حصلت على قطع أراضٍ، بالبدء في تنفيذ مشروعاتها معتمدة على تأخّر التسلّم حتى 2022 و2023 لغالبية الشركات، أملاً بتسويق الوحدات قبل بدء عملية البناء، وسط مخاوف من عدم القدرة على إنجاح تسويق الوحدات.
لا يبدو المشروع حاملاً لأي بشائر تنموية، باستثناء استعراض قوة الدولة الاقتصادية، في وقت تستمر فيه الأزمة التي دفعت الحكومة إلى رفع الدعم تدريجياً عن المواطنين في جميع السلع والخدمات وفرض ضرائب ورسوم تنمية على أي إجراء حكومي، بشكل زاد من الأعباء الاقتصادية على الأسر المصرية، وزاد من نسبة الفقر، ودفع إلى تأخر سن الزواج، وغيّر عادات اجتماعية للطبقة المتوسطة التي انحدرت شريحة كبيرة منها إلى الفئات الأقل دخلاً.