في أعقاب استشعارها نية الدول الغربية الدفع في اتجاه تبرئة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من واقعة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، انتقلت تركيا إلى خطتها البديلة القائمة على المطالبة بتحقيق دولي في الواقعة. مطالبة باتت أنقرة تجدها ضرورية لإبقاء قضية خاشقجي حية، وإدامة الاستثمار السياسي فيها، بعدما ثَبت لها أن التسجيلات المتصلة بالجريمة، والتي كانت تراهن عليها في إحداث الضغط المطلوب لإزاحة ابن سلمان من المشهد، لن تمنع واشنطن وحلفاءها من طيّ القضية والاقتصار (في شقّ العقوبات) على مَن تقول الرياض إنهم المسؤولون عن التخطيط للحادثة وتنفيذها. وهو ما كرّرته الولايات المتحدة، أمس، باستبعادها إمكانية فرص عقوبات على الدولة السعودية.ودعا وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس، إلى تحقيق دولي في مقتل خاشقجي، قائلاً في كلمة أمام البرلمان «(إننا) في البداية شكّلنا مجموعة عمل مع السعودية، وقلنا إننا لا نفكر في إحالة المسألة على محكمة دولية، لكن في هذه المرحلة نرى أن إجراء تحقيق دولي بات شرطاً». ويستبطن موقف جاويش أوغلو خيبة تركية من ردّ الفعل المتواضع الذي خلّفه تشارك التسجيلات الصوتية المتصلة بالجريمة مع استخبارات الدول الغربية. وهي خيبة عبّر عنها بوضوح المتحدث باسم «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، عمر جليك، لدى تعليقه على التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، والتي برّأت ابن سلمان من أيّ صلة بحادثة القنصلية. إذ وصف جليك تلك التصريحات بـ«الخاطئة للغاية»، متسائلاً: «قوّم هذه الأدلة وفقاً لماذا؟»، مضيفاً «(إننا) لا نتهم أحداً شخصياً، لكن نتبنّى موقفاً حيال التستّر على الجريمة». وفي الاتجاه نفسه، دان جليك مواقف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي اتهم الرئيس رجب طيب إردوغان، مبطناً، بـ«الكذب»، معتبراً أن لو دريان «تحدث بشكل غير مسؤول ودون دراية، وهو أمر يثير الحيرة». وعلى رغم أن المسؤول الحزبي التركي لم يتناول ولي العهد بالاسم، وأعاد تكرار لازمة رئيسه حول صدور أمر القتل من «جهات عليا»، إلا أن تهجّمه خصوصاً على بولتون ولو دريان اللذين أرادا تبرئة ابن سلمان بشكل واضح، يؤكد ما حاولت أنقرة تمويهه خلال الأيام الماضية من أن معركتها هي مع ولي العهد السعودي، وأنها تتطلّع إلى أن تسفر «الجولة» الحالية عن إطاحة رأس الأمير الشاب.
تركيا: سياسات السعودية والإمارات في محاصرة اليمن غير صحيحة


هذه المعركة، التي كانت تركيا تغطّي عليها بلازمة «العلاقات التاريخية المميزة بين الجانبين»، انكشف بعض من فصولها أمس في كلمة وزير الخارجية التركي، الذي كان يُفترض أن يُظهر ــــ وفقاً للنصّ المُعدّ سلفاً لكلمته ــــ حرص بلاده على «تعميق العلاقات مع السعودية في كل المجالات»، لكنه آثر ــــ عوضاً عن ذلك ــــ أن يهاجم الرياض وأبو ظبي من بوابة اليمن، حيث وصف سياساتهما «لمحاصرة الجميع» في هذا البلد بأنها «غير صحيحة»، لافتاً إلى أن «الكثير من الناس يموتون من الجوع والأمراض»، مؤكداً «(أننا) لن نبقى صامتين حيال ذلك». وأشار إلى «(أننا) ندعم جهود الأمم المتحدة في اليمن، ونحن من أكثر الداعمين للوساطة العمانية، ولدينا لقاءات مع إيران في هذا الصدد». مواقف تنبئ بأن ثمة قراراً تركياً بكسر المهادنة مع العهد السعودي الجديد، والتصعيد في وجهه تحت عناوين مختلفة، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تبدي ميلاً متزايداً إلى «حفظ رأس» ولي العهد، على رغم أنها لا تظهر ممانعة لتقليم أظافره في الإقليم. ويوم أمس، استبعدت وزارة الخارجية الأميركية، على لسان المتحدثة باسمها هيذر نويرت، فرض عقوبات على السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، مؤكدة في الوقت نفسه أن «إجراءاتنا لن تنتهي عند إلغاء تأشيرات بعض المسؤولين السعوديين، وحظر قدومهم إلى الولايات المتحدة».
وفي وقت يبدو فيه موقف الإدارة سائراً في غير ما تشتهيه أنقرة، تعلو من داخل الكونغرس الأميركي الأصوات المناوئة للسعودية، منبئة بإمكانية اتخاذ خطوات مضادة للمملكة حتى قبيل نهاية العام الجاري. وأعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري بوب كوركر، أمس، أن المجلس قد يصوّت قبل نهاية العام على تشريع لوقف كل أشكال الدعم لـ«التحالف» الذي تقوده الرياض في اليمن، لافتاً إلى أن «من الممكن كذلك طرح إجراءات لمنع مبيعات الأسلحة للسعودية على التصويت». وقال كوركر إن «أعضاء مجلس الشيوخ يبحثون عن طريقة ما ليظهروا للسعودية ازدراءهم لما حدث لخاشقجي، ولكن أيضاً مخاوفهم بشأن الطريق الذي ذهب فيه اليمن»، مشيراً إلى أن «معاونيه طلبوا من وزيرَي الخارجية مايك بومبيو، والدفاع جيمس ماتيس، ومديرة وكالة المخابرات المركزية جينا هاسبل، أن يحضروا إلى الكونغرس في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، لتقديم إفادة سرية بشأن المخاوف المتعلقة باليمن ومقتل خاشقجي».