غزة | لا يبدو أن الأيام المقبلة ستُنهي الحديث، إسرائيلياً على الأقل، عن الإخفاق «الكبير» الذي مُنيت به المنظومة الأمنية في الحادث الأخير في غزة، بعدما تحوّل من عملية تسلل ذكية لأهداف أمنية متعددة إلى «كمين عكسي» لم تكن المقاومة الفلسطينية قد أعدت له مسبقاً، لكنها بفضل رباطها الدائم على الحدود وانتباه عناصرها استطاعت الإيقاع بالوحدة الإسرائيلية الخاصة التي كانت تتابع عملها رئاسة هيئة الأركان بصورة مباشرة، وسبق لها أن نفذت مهمات في «مناطق عربية». فلسطينياً، لا تزال المقاومة تتكتم على تفاصيل الحدث، فهي من جهة تعدّه «إنجازاً»، رغم الخسارة البشرية التي قررت الرد عليها فوراً، ومن جهة أخرى ترى أن ما حدث سيُلجم العدو عن عمليات شبيهة لاحقاً. في هذا السياق، قال مصدر في أمن المقاومة إن القوة الإسرائيلية دخلت متخفية إلى جنوبي قطاع غزة، واستقلت سيارة من نوع «فولز فاجن» كان داخلها 6 أفراد نسّق لدخولهم أحد العملاء (وكان معهم في السيارة). وكان أفراد القوة يتقنون اللغة العربية واللهجة الغزية جيداً، كما يعرفون منطقة الحدث بالتفصيل.خلال تحرك السيارة اشتبهت فيها مجموعة من «وحدات المرابطين» التابعة لـ«كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، وأخرجت 4 من أصل ستة من السيارة، فيما بقي اثنان كانا متنكرين بزي نساء، ما منع المقاومين من التعرض لهما. بعد مرور وقت، تحفّظ المصدر الأمني على ذكره، استُدعيت قوة دعم من «القسام» كان على رأسها المسؤول العسكري في المنطقة الشهيد نور بركة الذي تحدث وجهاً لوجه مع الأربعة وطلب منهم الهويات الشخصية التي كانت مزورة. وبناءً على المعرقة الدقيقة لبركة بالمنطقة جيداً، شك في أمرهم وهمّ باعتقالهم، وفي تلك اللحظة، خرج العنصران المتنكران بزي النساء من السيارة بسرعة وبادرا إلى إطلاق النار على القوة «القسامية»، ما أدى إلى استشهاد بركة ومقاوم آخر.
هذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها أفراد القوة الإسرائيلية المنطقةَ


ويبدو أن الاثنين كانا قد أبلغا قيادتهما بـ«المأزق»، لأنه بمجرد نزولهم من السيارة بدأ القصف مباشرة، فيما أطلق بقية عناصر «القسام» النار على القوة، ما أدى إلى إصابة العناصر الأربعة خارج السيارة، وهو ما يخالف إعلان الجيش الإسرائيلي مقتل ضابط رفيع وإصابة جندي آخر فقط. وبينما هرب الأربعة رغم إصاباتهم واضطر المقاومون إلى «أخذ سواتر» من القصف، أسرعت السيارة إلى المنطقة الحدودية بالتزامن مع قصف مكثف من الطيران الحربي الذي صنع غطاءً نارياً كثيفاً خلف طريق هربهم، الأمر الذي أدى إلى استشهاد 5 آخرين من «القسام» طاردوا القوة. وقبل وصول السيارة إلى الحدود بقرابة 500 متر، ترجّل أفراد القوة بعدما اصطدمت سيارتهم بجدار إسمنتي، فيما كانت تنتظرهم مروحية إخلاء ودبابة لتأمين عبورهم، ثم قصف العدو السيارة بأكثر من 10 صواريخ ودمّرها كلياً.
وبينما عمّم أفراد الوحدة مواصفات السيارة الإسرائيلية، ما مكّن مقاومين آخرين من إطلاق النار على السيارة خلال هربها، حاول العدو تشتيت الجهد عبر اختراق «موجة اللاسلكي» الخاصة بالمقاومة، والإشارة إلى «حدث أمني» غرباً اتجاه البحر، لكن المقاومين انتبهوا إلى ذلك. وعن طريقة دخول القوة الإسرائيلية، قال المصدر إن الواضح حتى الآن أن تسللهم كان فردياً. أما السيارة، فدخلت في وقت سابق عبر أحد المعابر، وهو ما ينفي ما أشيع عن غياب استعداد المقاومة ومتابعتها الحدود بصورة دقيقة. وقال إن التقديرات تشير إلى أنها ليست المرة الأولى لأفراد هذه الوحدة بالتسلل إلى القطاع، لأن المقاومين الذين شهدوا الحادثة لاحظوا أن أفراد القوة يتمتعون بدراية جيدة بالمنطقة التي دخلوها، مضيفاً: «نتابع العميل المحلي الذي سهّل دخولهم إلى المنطقة، والمهمة التي كانوا ذاهبين إليها... المهم أن المهمة أُحبطت وتلقوا ضربة قاسية».