ريف دمشق | تتعدّد العوامل التي تجعل من مدينة جوبر (شمالي دمشق) منطقة تريد التسويات، وبشدة. أولها، الحال المتردية للمسلحين الموجودين فيها. فهؤلاء باتوا اليوم يخوضون حرباً لا طائل منها، سوى استنزاف قدراتهم العسكرية، في ظل الطوق العسكري المحكم في أغلب مناطق الريف الدمشقي، وهو ما جعل الإمداد العسكري الذي كان يصل إلى جوبر شبه مقطوع. وثانيها، هو الضغط المفروض من قبل أهالي الحي ووجهائه على المسلحين هناك، والذي يعبِّر الحاج «أبو فراس»، أحد سكان الحي، عنه بالقول: «على خلاف باقي المناطق، فإن الأكثرية المطلقة من المسلحين في منطقتنا هم من أبناء جوبر.
في البداية، لم تفلح الضغوط التي مارسناها على الشباب كي يتخلوا عن فكرة السلاح، غير أن الثمن الذي يدفعه سكان الحي جميعاً، والمتمثل في حالتنا المزرية، جعل جهودنا قادرةً على الضغط لإقناع الشباب بالمصالحة». هذا عدا عن المماحكات اليومية التي تدور بين مسلحي الحي و«جبهة النصرة» التي يشكِّل مقاتلوها «أعداداً صغيرة نسبياً بدعم وعتاد ضخم جداً. هؤلاء غرباء، يقومون بحرق جثث مقاتليهم كي لا يعرفهم أحد، يقاتلون من داخل الجوامع، بلا رادع، حيث فقدت جوبر اثني عشر جامعاً خلال الاشتباكات»، يقول عماد ص.، أحد مسلحي الحي.
في تفاصيل الإجراءات التي مهّدت للتسوية، يروي أبو محمد، أحد أعضاء لجان المصالحة الوطنية في جوبر، لـ«الأخبار»، أنّ «البداية كانت من قادة أحد الفصائل المسلحة. اتصل الرجل بأحد ضباط الجيش الموجودين على أطراف جوبر وطلب لقاءً معه، وبعد الموافقة، تم اللقاء داخل جوبر، وأبلغ قائد الفصيل المسلح الضابط رغبته، هو وكامل أفراد الفصيل، في إعادة الاعتبار للتسوية القديمة التي كانت مطروحة». وتنصُّ بنود هذه المبادرة على تسوية أوضاع المسلحين، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للجيش، مع الاحتفاظ بالسلاح الخفيف داخل المنازل. أما عن الرد، «فاتفق الطرفان على تأجيل النقاش في التسوية حتى اكتمال مصالحة القابون، والاكتفاء الآن بوقف إطلاق النار والعمليات المسلحة داخل الحي».

عائق «النصرة» المعرقل

يبرز نجم «جبهة النصرة» بدورها الرافض للتسويات من جديد. حيث حذَّر مقاتلوها المسلحين في جوبر من أن أي مصالحات يوقّعها المسلحون مع الجيش السوري، «سترد الجبهة عليها مباشرةً بالضرب بيد من حديد». أحد المشايخ المشاركين في التحضيرات للتسوية يستبعد أن تقوم «الجبهة» بأي شيء، إذ إنها «وغيرها لم تأخذ قوتها يوماً إلا من خلال سماحنا لأنفسنا بالتعايش معها، وبمجرد توحيد الكلمة ضدها، سيذهب مقاتلوها بعيداً». ولدى سؤال «الأخبار» عن العراقيل أمام التسوية، يقول الشيخ: «نحن سوريون. وكما أن لدينا قواعد للحرب، عندنا قواعد للصلح». بينما يؤكد عماد، المسلح في «كتيبة شهداء جوبر»، أن «المصالحة ستتم، ليس لأننا ضعفاء، بل لأن أهالينا في جميع المناطق يتجهون نحو المصالحة. وإن رفضت النصرة الانصياع لما يريده سكان جوبر فسنقاتلها».
ويؤكد مصدر عسكري مسؤول مشارك في العمليات العسكرية في جوبر أنه «سيكون لتسوية جوبر أهميتها البالغة، إذ بمجرد الاتفاق على تفاصيلها، ستتخلص دمشق من عبء قذائف الهاون التي كانت تطلق من جوبر، إضافة الى أنها ستتخلص من جزء كبير من المخاوف من إمكان اقتحام ساحة العباسيين المتفرعة إلى باقي طرقات دمشق». وحول أولوية الحسم العسكري يجزم المصدر عينه: «لو كان هناك حسم عسكري لما كنا نتحدث عن تسوية هنا وأخرى هناك، حتى الرئيس (السوري بشار) الأسد تحدث عن تقديم الحل السياسي على الحسم».

التسويات المقبلة أكثر تعقيداً

في حال نجحت الجهود الساعية إلى إنجاز المصالحة في جوبر، سيكون الطريق مفتوحاً أمام عموم مناطق الريف الشمالي للعاصمة، إذ إن أكثر مدن الريف جاهزية للهدنة بعد جوبر هي زملكا وعربين. ويرى المصدر العسكري أن «التسويات ستشمل المنطقة الشمالية سريعاً، لأنها باتت جاهزة. بعد جوبر، قد نرى تسويات في زملكا وعربين، وحتى في حرستا لاحقاً، وفي الريف الجنوبي التسويات أيضاً تسير بشكل جيد. أعتقد أن داريا في الجنوب، ومخيم اليرموك في الوسط، ودوما في الشمال، ستكون آخر المناطق التي تشهد التسويات، لما فيها من عراقيل جدية تمنع المصالحات هناك».
ميدانياً، تتواصل الاشتباكات في الطرف الجنوبي لحي المناشر في جوبر، بين الجيش السوري المرابط على أطراف الحي وعناصر «فيلق الرحمن»، كذلك شهدت أطراف جوبر، من جهة ساحة العباسيين، اشتباكات عنيفة استخدمت خلالها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلاً عن المناوشات التي دارت أمس على طريق التربة الجديدة، قرب المتحلق الجنوبي.
وعلى الطرف الآخر للمتحلّق الجنوبي، تشهد زملكا اشتباكات مستمرة، ارتفعت وتيرتها خلال الأيام الماضية. وكذلك في عربين التي استمر القتال فيها بين الجيش السوري ومقاتلي «تجمع أمجاد الإسلام»، وهو الفصيل المسلح الأقوى هناك.