دمشق | يرنو السوريون نحو مرحلة إعادة الإعمار «المقبلة»، بما يتيح الحصول على شبكة مواصلات طرقية وحديدية، تخفف مصاعب التنقل التي ولّدتها الحرب. مشاريع نقل كثيرة توقفت أو تأخّر إنجازها، وأُخرى تأجّل تنفيذها بفعل بيروقراطية حكومات ما قبل الحرب، ما لم تتخلَّ عنه حكومات الحرب المتعاقبة، بطبيعة الحال. اليوم، يعاد طرح كل تلك المشاريع المتعثرة بهدف عرضها للاستثمار، لإعادة إعمار ما تهدّم، وما يلزمه من متطلبات خدمية مرافقة. ولعلّ أبرز ما افتقده السوريون في تنقلاتهم خلال السنوات الدموية المنصرمة، كان شبكة القطارات التي تربط المحافظات السورية ببعضها، والتي تميزت بأمانها وتوفيرها أعباء السفر المادية.الحكومة التي تعي أن عليها استعادة عصب النقل الأساسي، لتسهيل إعادة الإعمار، حرصت منذ ما بعد استعادة الجيش السيطرة على درعا وريف دمشق، إلى إعادة طرح مشروع ربط الضواحي بالقطارات الكهربائية السريعة. تتواتر معلومات عن طرح المشروع للاستثمار مع حكومات دول حليفة كالصين وروسيا وإيران، وسط حديث عن اهتمام هذه الدول باستثمار أجزاء «مناسبة» من المشروع الضخم. دراسات متفرقة أيضاً عن إمكان إعادة ربط المحافظات بشبكات السكك الحديدية، تمهيداً لوصلها مع بلدان الجوار وصولاً إلى الحدود اللبنانية ــــ السورية، إضافة إلى العراق والأردن. غير أن جميع ما يتم تناقله في هذا السياق، لم يكن إلا أفكاراً، مع الأخذ في الاعتبار أهمية وجود ربط في الخط القديم ما بين الحدود السورية وحتى رياق اللبنانية، والذي توقف في العام 2005، وإمكان إعادة تنفيذه في حال توافرت الظروف الملائمة. كما يمكن الاستفادة من الخطوط القديمة التي كانت تربط لبنان وسوريا مع الجنوب باتجاه الأردن، لاسيما في ضوء العمل على صيانة وإصلاح الخط القديم الواصل دمشق بمعبر نصيب، بهدف تفعيل عملية الشحن.
المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي أعلنت من جانبها، عن مشاريع نقل الضواحي في محافظة دمشق، وبينها «مشروع المترو الأخضر»، الذي يخطَّط لربط الغوطتين الغربية والشرقية، بالتعاون مع محافظة دمشق. ويمتدّ مشروع ربط الضواحي عبر القطارات الكهربائية على أربعة محاور أنجزت دراساتها الأولية بشكل تام، فيما انتهت الدراسة التنفيذية لأوّلها، الممتد من محطة الحجاز إلى مطار دمشق الدولي، عبر منطقة السيدة زينب ومدينة المعارض. بينما تتفرع عن المحطة ثلاثة محاور أُخرى، وهي: خط صحنايا ــــ الكسوة ــــ دير علي، ومحور يصل حتى منطقة قطنا، ومحور رابع باتجاه قدسيا ــــ الهامة. ويتضمن كل محور محطات عدة، وفي كل محطة مجموعة استثمارات.
تعرض الحكومة «التشاركية» مع الشركات المستثمرة عوضاً عن القروض


ويكشف المدير العام لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي حسنين علي، في حديث إلى «الأخبار»، عن قرب التوصل إلى اتفاق قد يفضي إلى «مذكرة تفاهم»، وسط استمرار استقدام العروض الصينية والإيرانية والروسية. ويبدو، حتى اللحظة، أن الاهتمام الصيني هو الأكبر، وفق علي، الذي يشير إلى تعدد الشركات والعروض الصينية المتضمنة تمويلاً وتنفيذاً مقابل قرض ميسّر. وعلى اعتبار أن مسألة القروض تثير حفيظة الدولة السورية، فإنها تعرض خلال مفاوضاتها مع الشركات المستثمرة جنوحها إلى مبدأ التشاركية. وفي المقابل، ينتفي إمكان الحديث عن توقعات أو جداول زمنية لإتمام أي من المشروعات المطروحة، قبل توقيع «مذكرة التفاهم». ولا يرى علي، أي صعوبات في مناطق عمل ورش المؤسسة التي تعمل على الجرد والكشف وتحديد الأضرار بدقة، تمهيداً لإعادة صيانة خط دمشق ــــ درعا وصولاً إلى الحدود الأردنية. ويلفت إلى أهمية تنفيذ كوادر المؤسسة والشركات العامة السورية 70% من النفقين اللّذين سيشكلان قناتي مشروع نقل الضواحي، وهما نفق الحجاز ــــ القدم بطول 5 كيلومترات، ونفق الحجاز ــــ الربوة بطول 2 كلم. وتتكامل الدراسات مع «مشروع المترو الأخضر» من حيث الالتقاء عند بعض المحطات مثل الحجاز والجمارك. مؤسسة خط الحجاز كانت قد أعلنت من قبل عن تمويل نفسها بنفسها عبر مشاريع عدة، من بينها: معمل تصنيع لوحات معدنية للسيارات بما يغطي حاجة كافة مديريات النقل السورية باللوحات المزدوجة. ويساهم في تمويل المؤسسة أيضاً استثمار بعض العقارات التابعة لها، كفندق «سميراميس» الذي حقق لها إيرادات وصلت إلى 256 مليون ليرة خلال سنوات تفعيله الخمس الأخيرة. ولمشروع «قطار النزهة» أيضاً دوره في تمويل المؤسسة خلال الحرب، وهو الذي يمر في منطقة الربوة ودمر، وصولاً إلى الزبداني.
وفي سياق متصل، فإن الدراسات الأكاديمية لتأهيل مدخل دمشق الشمالي اقترحت منطقة تبادلية تمثل محطة للمترو قرب حرستا. مشروع تأهيل المدخل الشمالي، الذي أنجزه المهندس السوري بيبرس حاج حسن، طُرح أكاديمياً في جامعة دمشق للاستفادة من خبرات مهندسيها قبل التنفيذ. ووفق الرؤى الجديدة لدراسة المشروع، فقد اقتُرح على محافظة ريف دمشق منطقة سكنية، مع الحفاظ على الحزام الأخضر الذي تمتاز به منطقة بساتين حرستا. فيما يلزم وجود منطقة سكنية طرحها كمنطقة تطوير عقاري، بما يتضمنه ذلك من خدمات من بينها: إحداث محطة مترو تربط دمشق بمدخلها الشمالي، وصولاً إلى مدينة عدرا.