لم يكن دفاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والحاجة إلى المحافظة على استقرار النظام السعودي مجرد قرار بالخروج عن الصمت الرسمي، بعد مضيّ أكثر من شهر على جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي، بل كان أيضاً تعبيراً عن قرار بالانتقال في الدفاع عن هذا النظام من المرحلة السرية إلى المرحلة العلنية. وهو موقف اقتضاه مسار التطورات التي لا تزال تتوالى، وبات معها يخشى على استقراره بما يمس بالمخطط الذي يستهدف تقويض النظام الإسلامي في إيران، ومواجهة محور المقاومة.منذ مقتل خاشقجي، توالت التداعيات السياسية على وقع المعلومات التي تدفّقت تباعاً حول حقيقة ما جرى، واضطرت معها الرياض الى التراجع عن الرواية الابتدائية التي حاولت ترويجها... بالموازاة، اتضح أن الدفاع الإسرائيلي عن النظام السعودي، وتحديداً ولي العهد محمد بن سلمان، مرَّ أيضاً بمراحل بما يتناسب مع وتيرة التطورات التي بدا أنها استمرت أكثر مما كان مقدراً لها سعودياً، ومما كانت تأمله تل أبيب.
عن المرحلة السرية، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أن نتنياهو انبرى للدفاع عن ابن سلمان في محادثات مع مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب. وأوضحت أنه ناشد المسؤولين الأميركيين عدم المساس بالعلاقات مع السعوديين لأنهم حلفاء حيويون في المنطقة. ومن المرجح أن يكون هناك الكثير من التفاصيل المتصلة بالدور الإسرائيلي في هذه القضية، بعدما ثبت أن نتنياهو قام بدور مباشر، إدراكاً منه للمخاطر الكامنة فيها.
يبدو أن ارتفاع منسوب المخاوف على مصير ابن سلمان من مفاعيل استمرار المسار التصاعدي للتداعيات السياسية لهذه القضية، دفع نتنياهو إلى الانتقال إلى المرحلة العلنية في الدفاع عن النظام السعودي.
الرجل اختار العاصمة المجرية، بودابست، للتعبير عن موقفه الذي بدا أقرب إلى المناشدة كونه أتى بعد مساعٍ وجهود قام بها بشكل سري، لذلك صاغه بدقة مدروسة وهادفة: «إن ما حدث في القنصلية بإسطنبول هو أمر فظيع ويجب معالجته بشكل مناسب. لكن في الوقت ذاته أنا أقول إن من المهم جداً من أجل استقرار المنطقة والعالم أن تبقى السعودية مستقرة، ويجب إيجاد الطريق المناسب لتحقيق هذين الهدفين، لأنني أنا أعتقد بأن المشكلة الأكبر هي من جانب إيران. علينا أن نتأكد من عدم استمرار إيران بأنشطتها العدوانية...».
هدف نتنياهو من وراء الدعوة إلى معالجة ما جرى «بشكل مناسب» إلى وضع سقف لمعالجة عملية القتل، بأن لا تمس باستقرار النظام السعودي، أي بولي عهدها. وهو بذلك وجّه دعوة إلى المسؤولين الأميركيين لضرورة التعامل مع هذه القضية بما يراعي الأولويات الإسرائيلية في المنطقة. ولم يخف نتنياهو وجهة هذه الأولويات عندما أضاف إن المشكلة الأكبر تكمن في إيران.
ينطوي موقف نتنياهو على إقرار مباشر بحجم الدور الذي يؤدّيه النظام السعودي، وتحديداً محمد بن سلمان، في المعركة ضد إيران إلى جانب إسرائيل. ومن الواضح أن دافعه إلى المناشدة العلنية ينبع من تخوّفه بأن يؤدي المس بولي العهد إلى تداعيات داخلية تؤثر على مجمل المخطط الذي يرتكز على الثلاثي، ترامب – نتنياهو – ابن سلمان.
من أهم الأدوار التي يؤديها ابن سلمان، تمويل الكثير من النشاطات المتصلة بإسرائيل، وهو ما كشفه ترامب نفسه قبل أيام، في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال»: «السعودية حليف جيد جداً في ما خص إسرائيل وإيران»، مضيفاً إن السعودية «ساعدتنا كثيراً مع إسرائيل، كما أنهم يمولون الكثير من الأمور». وتؤدي السعودية أيضا دوراً أساسياً في توفير الغطاء للقفز من فوق القضية الفلسطينية، ودفع عملية التطبيع مع كيان العدو. ولعله ليس من باب المصادفة أن يتزامن هذا المسار مع الاندفاع المتسارع لتطبيع العلاقات بين كيان العدو مع دول الخليج، والانتقال إلى مرحلة تظهير العلاقات السرية التي كانت قائمة، وصولاً إلى الزيارات الرسمية المتوالية. هذا بالإضافة إلى الدور الذي تعمل عليه لجهة العقوبات على إيران، وتحديداً ما يتصل بحظر نفطها.
ومع أنه لم يتم الكشف عن تقديرات تفصيلية، قدمتها المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية للمستوى السياسي حول آفاق توالي التداعيات السياسية إثر مقتل خاشقجي، إلا أنّ القدر الذي كشفه رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، العميد درور شالوم، في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» (2/11/2018)، قد ينطوي على قدر من القلق والغموض يسود في تل أبيب، حيث اعتبر رداً على سؤال إن كانت تداعيات مقتل خاشقجي تقود إلى إطاحة محمد بن سلمان، أنّ الأمر ممكن، موضحاً أن «الأنظمة في الشرق الأوسط استقرارها مهزوز. ثمة احتمال بخصوص اهتزاز في كل واحد منها، كل أجهزة الاستخبارات في العالم فوجئت في عام 2011. وهذا صحيح حتى في يومنا هذا. لا يمكن التنبؤ متى يسقط نظام. لا أخمّن ماذا سيكون مصير ولي العهد، يكفي أن نقول إن السعودية تلقت هنا ضربة جدية».
وعلى ذلك، ليس أمراً قليل الدلالة أن لا يجد نتنياهو حرجاً في الدفاع العلني عن استقرار النظام السعودي في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها. وهو ما قد يشير الى خشية من تأثير الدومينو على الواقع السعودي والإقليمي، وخاصة أن القضية لا تزال حية وتتفاعل رغم مضي أكثر من شهر عليها.