لا تشكّل زيارة رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عمان مفاجأة خاصة استثنائية، في سياق تراكض الأنظمة العربية باتجاه إسرائيل والتطبيع معها. الزيارة والمشاهد الحميمية التي تخللتها ليست حدثاً مؤسساً في ذاته بل هي نتيجة لمسار طويل من العلاقات بين السلطنة وإسرائيل، تضرب بجذورها عميقاً، من سنوات القرن الماضي.مع ذلك، إن كانت للزيارة دلالات خاصة بينية، إلا أن دلالاتها الكلية تتجاوز بالتأكيد العلاقات بين الجانبين: ورد أمس عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، التأكيد أن محادثات نتنياهو والسلطان قابوس، بدأت مساء يوم الخميس بعد أن حطت طائرة الضيف في مسقط، واستمرت ساعات طويلة لتنتهي في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الجمعة. الأمر الذي يثير سلسلة من التساؤلات الابتدائية، حول موضوع أو موضوعات المحادثات، والنتائج التي ترتبت عليها.
مفاجأة الزيارة، إن كانت، فقائمة على خلفية أن السلطنة ليست في صدارة الأحداث والخطط والمشاريع المعدة للمنطقة. وكذلك لأن دور الوسيط الذي تلعبه في العادة، يتعذّر أن يكون هدفاً لزيارة نتنياهو، وهو الذي لا يريد ولا يسعى وليس بحاجة، إلى وسيط تفاوضي مع من يريد بالفعل التفاوض والاتصال معه، من دول في المنطقة باتت في معظمها تتراكض باتجاهه.
لكن سلطنة عمان، في الوقت نفسه، دولة من الدول الخليجية ذات الحضور والمكانة وإن تمايزت عن غيرها، وعمدت إلى الابتعاد عن الصدارة في ما يتعلق بالتجاذبات والمحاور المباشرة بين المتخاصمين والأعداء في المنطقة. لكنها أيضاً، مترسخة في المحور الأميركي الذي لا يمكن فصلها عنه، وإن عمدت إلى التمايز. على هذه الخلفية، واضح أن الزيارة حلقة من حلقات مطلوبة من الأنظمة الخليجية للتطبيع الكلي بينها وإسرائيل، مع أو من دون «صفقة القرن»، التي باتت إسرائيل نفسها تنظر إليها كتنازل لا ضرورة له. على ذلك، يأتي تظهير العلاقات بين أنظمة خليجية وإسرائيل، ومن بينها أخيراً، الزيارات المتلاحقة للمسؤولين الإسرائيليين إلى الإمارات العربية المتحدة، وآخرها زيارة الوزيرة ميراي ريغف على رأس وفد إسرائيلي إلى أبو ظبي؛ فيما مملكة البحرين قطعت شوطاً كبيراً جداً باتجاه التطبيع إلى الحد الذي بات مستغرباً أن لا سفارة إسرائيلية في المنامة؛ أما دولة قطر، فهي على جاهزية كاملة إلى حد التآخي مع الإسرائيليين، على خلفية إرضاء السيد الأميركي لتأمين الحماية اللازمة والمتذبذبة، من الخصم السعودي.
إن صحت هذه المقاربة، وهي الأرجح، فإن كل «حركات» التطبيع التي تقودها وتظهّرها الأنظمة الخليجية، والتي تقفز قفزاً في الفترة الأخيرة، مقدمة لخطوة سعودية كبيرة جداً مرتقبة، برعاية ودفع أميركيين، كتتويج للحراك الخليجي في التطبيع الكامل مع العدو، والإعلان عن العلاقة والحلف معه، في مواجهة إيران وحلفائها ومكونات المحور المعادي لإسرائيل. وهو ما يفسر، في السياق نفسه، هوية الوفد المرافق لنتنياهو إلى عُمان: رئيس الموساد يوسي كوهين، مستشار الأمن القومي مئير بن شبات، مدير عام وزارة الخارجية يوفال روتم، رئيس طاقم مكتب نتنياهو يوآف هوروفيتش، والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة العميد آفي بلوت.
«حركات» التطبيع التي تقودها الأنظمة الخليجية مقدمة لخطوة سعودية أكبر


الخبر الوارد في الإذاعة العبرية أمس، يشير إلى علم سعودي مسبق بالزيارة، وفي ذلك دلالات: طائرة نتنياهو حلقت طويلاً في الأجواء السعودية قبل أن تصل إلى الأجواء البحرينية، ومن بعدها إلى عمان. وبحسب الإذاعة أيضاً، «ليس من المستبعد أن تفتح هذه الزيارة الباب أمام علاقات علنية بين إسرائيل ودول خليجية أخرى»، في إشارة إلى السعودية.
ضمن هذه الفرضية أيضاً، مع إعادة التأكيد على أرجحيتها، يصعب التصديق أن محمد بن سلمان بعيداً عنها. بل أكثر من ذلك، يصعب التصديق أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعيد عنها أيضاً. السؤال المثار هنا: هل تسريع التطبيع مع إسرائيل (مع أو من دون صفقة القرن)، هو الثمن المفترض ببن سلمان دفعه لـ«تخليصه» من ورطة جمال خاشقجي؟ واضح أن الورطة نفسها عامل مساعد، بل وتحث الأمير السعودي على تسريع الخطى باتجاه إسرائيل. وهي فرضية معتبرة، حتى وإن كانت الزيارة معدة ومقررة، قبل جريمة قتل خاشقجي في إسطنبول.
في زيارة نتنياهو، أيضاً سياقان خاصان ومنفصلان: إسرائيلي وعُماني. إسرائيلياً، للزيارة فوائد متعددة ومتشعبة وغير محصورة وبلا أثمان. منها ما هو عام يتعلق بالكيان الإسرائيلي نفسه ومكانته وأمنه وتحسين قدرته الكلية على مواجهة أعدائه؛ ومنها ما يرتبط بنتنياهو نفسه.
لجهة «الدولة» الإسرائيلية، يشار إلى ما ورد على لسان مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، في حديث لقناة «كان» العبرية أمس، بأنّ العلاقات مع سلطنة عمان ستتحوّل قريباً من علاقة «تحت أرضية» إلى علاقة علنية، في إشارة منه إلى إمكان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين التي قطعت عام 2000، على خلفية الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
في ذلك أيضاً، يشير نتنياهو، أمس، إلى أن «الزيارة تعد مهمة في تطبيق السياسات التي رسمتها لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة، بالاستفادة من تفوق إسرائيل في الأمن والتكنولوجيا والاقتصاد». وقال: «عدة دول مجاورة تمد الآن يدها إلى إسرائيل وتطبّع علاقاتها معنا. لا يجوز لنا أن نقلل من قيمة الانفتاح والتعطش المتواجدين في العالم العربي حيال إسرائيل». وفي مقدم الفوائد لإسرائيل، أن الزيارة، وما يمكن أن يعقبها، يؤشر إلى إمكان إنهاء القضية الفلسطينية بلا أثمان، وهو ما يؤكد عليه نتنياهو، مع الابتعاد عن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني: «اعتقدنا دائماً أنه لو حللنا مشكلة الفلسطينيين فستفتح الأبواب أمام السلام مع العالم العربي. لكن ربما صحيح أيضاً، وربما أكثر، أنه لو انفتحنا إلى العالم العربي وطبّعنا العلاقات معه، فهذا سيؤدي إلى إمكانية السلام مع الفلسطينيين».
في السياق الشخصي لنتنياهو، الواضح أنه سيعمل على استغلال الزيارة لتعزيز مكانته في الداخل الإسرائيلي على أبواب الانتخابات المبكرة التي قد يتقرر إجراؤها بعد شهرين أو ثلاثة. الزيارة والترويج لنجاحات نتنياهو جرّائها، قد تمكن «الليكود» برئاسته من تعزيز مكانته في «الكنيست»، ومن ثم تشكيل الحكومة مع ائتلاف واسع يخلو من تجاذبات ومحاولات ابتزاز، يعمد إليها شركاؤه في الحكومة، كما هي العادة المتبعة.
في السياق العُماني، يشار إلى الآتي: واضح أن عمان، الدولة التي تعد رائدة في المسارعة إلى التطبيع مع العدو، أزيحت في الفترة الأخيرة عن صدارة هذه الصفة، على رغم تواصل العلاقة فعلياً، لتحل مكانها السعودية حتى من دون إقامة علاقات علنية مع تل أبيب. زيارة نتنياهو التي يتضح أنها جاءت بطلب من مسقط، مع المسارعة العمانية إلى الإعلان عنها قبل إسرائيل، تمكّن السلطنة في المراهنة على استعادة المكانة المفقودة التي أزيحت عنها إلى جانب إسرائيل، ومن ثم إعادة «التمتع» بفوائدها الكاملة مع السيد الأميركي.
الواضح أيضاً، أن السلطنة معنية بإعادة تقديم أوراق اعتمادها للإدارة الأميركية من دون الانضمام المباشر إلى الخطط الموضوعة للمنطقة، ومن بينها رفض مسقط الانضمام إلى «الناتو العربي» بتمظهراته العسكرية عبر التمحور المضاد لإيران وحلفائها. الزيارة، كما هي بدلالاتها، رهان عماني على إرضاء السيد الأميركي، والاكتفاء بالدور الذي تقوم به السلطنة تاريخياً إلى جانب الأميركيين، من دون الحراك الميداني العسكري المباشر، في أي من ساحات المنطقة.