القاهرة | ... ودوت صفّارة الانطلاق. عبد الفتاح السيسي مرشح رسمي لرئاسة الجمهورية. على الأقل هذا ما يتوقع أن يُعلن اليوم، غداة يوم حافل، بدأ بترقيته إلى رتبة مشير، قبل الموافقة على استقالته من وزارة الدفاع وتعيين رئيس الأركان صدقي صبحي في مكانه، وليس انتهاءً بترقّب تعديل وزاري وشيك، قد يطيح حازم الببلاوي ووزراء محمد البرادعي المتهمين بأنهم «طابور خامس». واللافت أن كل ذلك تم خلف الأبواب المغلقة، في قاعة لا يدخلها إلا من يرتدي زياً عسكرياً، كالذي ارتداه السيسي لعقود، وقبله ثلاثة رؤساء جمهورية صمدوا في الحكم سنوات، إلى أن أطلّ محمد مرسي من السجن الذي عاد إليه بعدها بسنة، والمستشار عدلي منصور الذي لن يصمد تلك المدة على ما يبدو. فهل يعيد السيسي تجربة أسلافه العسكر؟ أم يكون مصيره كمصير المدنيين؟
الجواب لا يزال غير واضح، وإن كانت المؤشرات كلها تفيد بأن السيسي يجيد اللعبة، حتى الآن، ويحظى بدعم قوى أساسية، من جيش متجذر في المجتمع وأجهزة أمن وشرطة ورجال أعمال، جزء كبير منهم من عهد حسني مبارك. بل إن القرار، حتى اللحظة، لا يزال في ذاك المجلس العسكري الذي عقد اجتماعاً له أمس قبل أن يجف حبر الرئيس عدلي منصور في قرار ترقية السيسي لرتبة مشير. اجتماع استمر حوالى ساعتين ونصف الساعة، تمخض عن قبول استقالة «المشير السيسي»، والتصديق على ترقية قادة الجيوش الميدانية (اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني، واللواء أسامة عسكر قائد الجيش الثالث الميداني) مع حملة ترقيات مختلفة في الجيش المصري، كذلك اتخاذ قرار نهائي بتولي رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي، الرجل القوي في الجيش الذي يسيطر على الميدان، وزارة الدفاع ليكون خلفاً للمشير السيسي (الآتي من المخابرات الحربية) ما يمهد الطريق أمام هذا الأخير لخوض الانتخابات الرئاسية. ويتوقع أن يتم إعطاء رئاسة الأركان إلى اللواء حرب محسن الشاذلي الذي يتولى حالياً رئاسة هيئة العمليات في القوات المسلحة.
في بيان بثه التلفزيون المصري الرسمي، قال المجلس، وهو أعلى هيئة في الجيش وتضم كبار قادته، إنه انعقد يوم أمس «ولم يكن في وسعه إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشح الفريق أول عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية وهي تعتبره تكليفاً والتزاماً». وأضاف «ثم استمع المجلس إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقدر أن ثقة الجماهير فيه نداء يفرض الاستجابة له فى إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب». وبحسب البيان، «قد قرر المجلس أن للفريق أول عبدالفتاح السيسى أن يتصرف وفق ضميره الوطني ويتحمل مسؤولية الواجب الذى نودي إليه، وخاصة أن الحكم فيه هو صوت جماهير الشعب في صناديق الاقتراع، وأن المجلس في كل الأحوال يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هي الأمر المطاع والواجب النفاذ في كل الظروف، وفي نهاية الاجتماع تقدم الفريق أول عبدالفتاح السيسي بالشكر والتقدير للمجلس الأعلى وللقوات المسلحة وقيادتها وضباطها وجنودها، إذ إنها قدرت الظروف العامة وتركت له حقه فى الاستجابة لنداء الواجب وضرورات الوطن». وشق السيسي طريقة بحذر نحو السلطة منذ عزل الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي، في تقدم مدروس اعتاده طوال حياته منذ طفولته في الشوارع الترابية الضيقة في حي الجمالية في القاهرة إلى أعلى رتبة في أحد أكبر الجيوش في المنطقة.
وكشفت مصادر عسكرية، لـ«الأخبار»، عن أن السيسي أرجأ خطاب ترشحه للانتخابات الرئاسية إلى ما بعد احتفالات ذكرى ثورة «25 يناير» التي رأى أنها ستكون مؤشراً لقياس نبض الشارع وتجاوبه مع فكرة ترشح شخصية عسكرية لسدة الرئاسة. وأوضحت المصادر «أن الندوة التثقيفية التي نظمتها إدارة الشؤون المعنوية في مسرح الجلاء يوم 11 كانون الثاني الحالي، كانت بداية مناورة السيسي، لمعرفة مدى تجاوب المواطنين مع فكرة ترشحه للرئاسة، حيث أشار في كلمته حينها عدة مرات إلى أنه لا يرغب في تفويض الشعب، معتمداً على فطرة وذكاء المواطن المصري الذي سيلتقط خيط تفويض السيسي في الميادين».
وبعد أيام، أضافت المصادر، «وفي خلال احتفالية القوات المسلحة التي نُظّمت الخميس الماضي ودُعي إليها كوكبة من الفنانين والساسة ورجال العلم والدين والإعلاميين، اكتفى السيسي بالاستماع إلى كلمات الإطراء التي قالها هؤلاء، مفضّلاً عدم توجيه أي كلمة للشعب المصري، خاصة أن ذلك كان بحضور الرئيس منصور الذي أبدى موافقته الضمنية على ترشح السيسي».
وأكدت المصادر «أن السيسي بدأ فعلياً بترتيب أوراقه لتولي مهمات المؤسسة الرئاسية، مع دراسة التوقيت المناسب لإعلان قرار ترشحه»، مشيرةً إلى أن «بيان السيسي لن يُعلن إلا بعد مضي 48 ساعة على خطاب الرئيس منصور الخاص بفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية وتعديل خارطة المستقبل»، ما يعني أن إعلان نيته الترشح متوقع اليوم. من جهتها، قالت مصادر رئاسية إن منصور «خط كلمات بيانه الذي عدل فيه خارطة المستقبل بنفسه، وقام بإجراء بعض التعديلات والمراجعة اللغوية بمفرده، من دون أن يستعين بالمسؤولين عن ذلك في ديوان عام الرئاسة».
وفي صباح اليوم التالي من بيان منصور، أصدر الأخير قراراً جمهورياً بترقية السيسي إلى رتبه مشير. وحول هذا القرار، قال مستشار المجلس الاعلى للقوات المسلحة اللواء عبدالمنعم كاطو إن هذه الرتبة أجازها النائب الأسبق لرئيس الجمهورية عبدالحكيم عامر بعد قيام رجال القوات المسلحة بأعمال بطولية عام 1952.
ويحظى السيسي بدعم الجيش، أقوى مؤسسة في مصر، ووزارة الداخلية وسياسيين ليبراليين كثيرين ومسؤولين سابقين في عهد مبارك ورجال أعمال عادوا إلى الظهور بعد عزل مرسي.
واستناداً إلى شعبية السيسي، فإن هذه القوى ستمنحه على الأرجح الكثير من الوقت لإثبات نفسه كرئيس، ولا يوجد سياسيون آخرون يمكنهم تحدي السيسي في أي وقت قريب.
وفي أولى ردود الفعل الدولية على ترشح السيسي، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين بساكي، أن القرار الخاص بمن سيخوض الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر متروك للشعب المصري، مضيفةً أن واشنطن تركز فقط على ضرورة دفع العملية الانتقالية وتشجع عليها.
وشدد بساكي على أنه يتعين على الحكومة المصرية دفع العملية الانتقالية مما يؤدي إلى اقامة حكومة ديمقراطية مدنية يتم اختيارها من خلال انتخابات شفافة.
من جهة ثانية، كشفت مصادر وزارية لـ«الأخبار» أن مصر ستشهد تعديلات وزارية حتمية خلال الساعات القليلة المقبلة. وأوضحت المصادر أن كل الوزراء المحسوبين على رئيس حزب الدستور محمد البرادعي (المقيم حالياً في فيينا منذ أن استقال من منصبه كنائب للرئيس احتجاجاً على فضّ اعتصامين لأنصار مرسي بالقوة) سيتم الاكتفاء بمدة خدمتهم في الحكومة الحالية واستبعاد وزير التعليم العالي حسام عيسى من عمله، مع قبول استقالة نائب رئيس الوزراء المصري للتنمية الاقتصادية وزير التعاون الدولي زياد بهاء الدين.
وكان بهاء الدين أعلن أنه تقدم إلى مجلس الوزراء أمس باستقالة مكتوبة من منصبه، مشيراً إلى أنه سيسير أعمال وزارته حتى تعيين وزير جديد مكانه.
وكان بهاء الدين اتهم في اجتماع سابق لمجلس الوزارء بأنه «طابور خامس»، نظراً إلى رفضه القبض على المشاركين في تخريب مباني جامعات القاهرة وعين شمس وحلوان والأزهر وحرق وتدمير محتوياتها من «البلطجية الذين استأجرتهم جماعة الإخوان بالتنسيق مع طلاب الجماعة الذين سهلوا دخولهم الجامعات».
وكشفت المصادر أنه سيتم إلغاء وزارة العدالة الانتقالية نهائياً، وسيعاد ضم وزارتي الشباب والرياضة في وزارة واحدة ليصبح اسمها «وزارة الشباب والرياضة»، على أن يبقى الخلاف الأخير على الشخص المنوط به إدارة هذه الحزمة الوزارية الجديدة بعد التعديلات، وذلك لوجود خلاف حول الإبقاء على رئيس مجلس الوزارء الحالي حازم الببلاوي أو استقدام رئيس مجلس الوزارء السابق كمال الجنزوري أو وزير الإسكان الحالي إبراهيم محلب، مع تقلد رئيس الأركان الحالي صدقي صبحي لقيادة القوات المسلحة ووزارة الدفاع.



محاكمة مرسي على الهواء مباشرةً

ينقل التلفزيون المصري على الهواء مباشرة اليوم أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي في ما عرف بقضية «اقتحام سجن وادي النطرون» إبان ثورة 25 يناير، وذلك للمرة الأولى، في حين أحالت لجنة التأديب والصلاحية التابعة لمجلس القضاء الأعلى 7 قضاة من حركة «قضاة من أجل مصر» المؤيدة لمرسي للتقاعد لـ «اشتغالهم بالسياسة».
وأوضح رئيس محكمة جنايات القاهرة، المستشار شعبان الشامي، في تصريح صحافي أمس، «أنه تمت الموافقة على بث وقائع المحاكمة تلفزيونياً حتى تتاح الفرصة للرأي العام بمتابعة مجريات ووقائع تلك القضية».
من جهة أخرى، أحالت لجنة التأديب والصلاحية التابعة لمجلس القضاء الأعلى أمس، 7 قضاة من أعضاء حركة «قضاة من أجل مصر» المؤيدة للرئيس المعزول، إلى التقاعد، وذلك «لإدانتهم بالاشتغال بالسياسة بالمخالفة لأحكام القانون». وأوضح مصدر قضائي أن القضاة السبعة «تمت إدانتهم بإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2012 بفوز مرسي قبل إعلانها رسمياً من لجنة الانتخابات الرئاسية على ذات النحو الذي كان قد أعلنه حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها مرسي. إلى ذلك،  قضت محكمة جنح مستأنف البساتين (جنوب)، أمس، بالسجن ما بين 11 إلى 12 عاماً، بحق 16 شخصاً من أنصار مرسي، بعد أن أدانتهم بـ «اقتحام» مركز للشرطة جنوبي القاهرة، ومحاولة إعاقة حركة السير على الطريق الدائري الرابط بين أحياء العاصمة، بحسب مصدر قضائي.
(الأناضول، أ ف ب)