يبدو أن سلطات صنعاء تحاول استغلال الانشغال السعودي والأميركي بلملمة ذيول حادثة مقتل جمال خاشقجي، من أجل كسر جمود الأزمة المتواصلة منذ آذار/ مارس 2015. محاولات توحي مؤشراتها الأولية بأنها قد تؤدي إلى نتائج إيجابية، خصوصاً إذا ما أفضت «زوبعة خاشقجي» إلى تراجع سعودي في الإقليم سينعكس حتماً على اليمن. ولئن كان من المبكر الجزم بانعكاسات ذات طابع استراتيجي، إلا أن المؤكد أن فتح موسكو أبوابها أمام «أنصار الله» مؤشر إلى أن الاختراق ممكن في الوقت الضائع، وأن استثمار لحظة الضعف السعودية ربما يقود إلى تبدلات لغير مصلحة الرياض وأبو ظبي اللتين لا تزالان مصرّتين على رطم الرأس بالجدار.وأعلنت وكالة «سبأ» الرسمية، التابعة لحكومة الإنقاذ في صنعاء، أمس، أن رئيس الوفد الوطني إلى مشاورات السلام، محمد عبد السلام، وعضو الوفد عبد الملك العجري، التقيا في موسكو نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. وأشارت الوكالة إلى أن اللقاء استعرض «جهود دعم عملية السلام وتحقيق الاستقرار ووقف الصراع»، لافتة إلى «استعداد روسيا لبذل مزيد من الجهود لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية اليمنية». وتأتي هذه الزيارة بعد توتّر ساد العلاقات بين الطرفين منذ مقتل الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، على أيدي «أنصار الله» في كانون الأول/ ديسمبر 2017. حينذاك، أعلنت روسيا انسحابها من صنعاء وإغلاق سفارتها هناك، مبديةً تضامنها مع آل صالح عبر إرسال بوغدانوف إلى الإمارات للتعزية به. وفي أعقاب ذلك التطور، بُذلت جهود من قِبَل «أنصار الله» لإعادة تنشيط العلاقات، التي دخلت حالة موت سريري، توازياً مع إقدام موسكو على تسهيل عمليات طباعة العملة التي تقوم بها حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي أدّت إلى آثار كارثية على الاقتصاد اليمني. وعلى رغم أن تلك المحاولات لم تفلح في تحقيق أهدافها، إلا أنها تواصلت وتكثّفت بعد تولّي مهدي المشاط رئاسة المجلس السياسي الأعلى خلفاً للشهيد صالح الصماد (الأخبار ـــ 31 تموز 2018).
ارتفعت حصيلة المجزرتين الجديدتين في الحديدة إلى 20 قتيلاً


اليوم، يطرأ تحوّل إيجابي على ذلك المشهد المقفل، منبئاً بإمكانية عودة العلاقات بين موسكو وصنعاء، مع ما يعنيه الأمر من دور روسي إيجابي محتمل في الديناميات الدولية المتصلة باليمن وخصوصاً داخل مجلس الأمن، وأيضاً على المستوى الاقتصادي عبر وضع حدّ لعمليات الطباعة العشوائية التي تلعب دوراً في تغذية الميليشيات المدعومة سعودياً وإماراتياً، وبالتالي في إطالة أمد الحرب.
هذا المؤشر الروسي «المُبشّر» وازاه صدور تصريح لافت عن رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، الذي حضر خلال الأيام الماضية مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة»، أعلن فيه «(أننا) نسعى جاهدين للعمل كوسيط لحلّ أزمة اليمن». والمثير للانتباه أن إعلان خان جاء عقب موافقة السعودية على منح بلاده ثلاثة مليارات دولار كوديعة لمدة عام، وكذلك السماح لها بتأجيل مدفوعات واردات نفطية بقيمة 3 مليارات دولار أيضاً، ما يشي بأن مبادرة إسلام آباد قد لا تكون مرفوضة سعودياً، خصوصاً أن خان أجرى الثلاثاء الماضي محادثات مع ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان.
على خطّ مواز، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أمس، أن الجولة الجديدة المنتظرة من محادثات السلام قد تكون نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. وأشار غريفيث، في حديث تلفزيوني، إلى أن «المكانين المقترحين لعقد المحادثات هما مدينة جنيف السويسرية، والعاصمة النمسوية فيينا». ويفترض أن يسبق تلك الجولة لقاء في العاصمة الكينية نيروبي، برعاية الأمم المتحدة ومشاركة صندوق النقد والبنك الدوليين، بهدف التوصل إلى «هدنة اقتصادية»، للحدّ من تدهور سعر صرف الريال اليمني، وصرف رواتب موظفي الدولة. وعلى رغم كل تلك المؤشرات ذات الطابع الإيجابي، إلا أن التحالف السعودي ـــ الإماراتي واصل تصعيده العسكري على الأرض، مستهدفاً محافظة الحديدة بمجزرتين جديدتَين، ارتفعت حصيلتهما أمس إلى 20 قتيلاً و10 جرحى بينهم أطفال. وترافق ذلك مع تجدّد المواجهات عند أطراف مدينة الحديدة، بعد محاولة الميليشيات المدعومة إماراتياً استعادة مواقع كانت خسرتها منتصف الأسبوع الجاري.