على وقع فشل رسائل المسؤولين الإسرائيليين في ردع الطرف الفلسطيني عن تصميمه مواصلة نضاله الشعبي، وجدت مؤسسة صناعة القرار السياسي والأمني في تل أبيب نفسها أمام خيارات ضيقة ومحدودة. وفي غضون ذلك، يحضر أكثر من عامل داخلي وأمني في الضغط على صناع القرار، وتفجير خلافات داخلية بينهم، تداخلت فيها الاعتبارات الموضوعية مع المصالح الانتخابية، وارتفاع منسوب التنافس الحزبي والسياسي، داخل معسكر اليمين المتطرف، بين من يدعو (رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينت) إلى قتل كل من يطلق بالوناً حارقاً أو يتخطى السياج الأمني المحيط بالقطاع وقادة حركة «حماس»، ومن يرى (وزير الأمن أفيغدور ليبرمان) أن لا خيار سوى شن عدوان على غزة و«توجيه ضربة شديدة إلى حماس».وفي مقابل المزايدات السياسية، والتقديرات المتباينة حول كيفية التعامل مع القطاع، نقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني أن الأجهزة الأمنية و«الكابينت» توصلوا إلى «الاستنتاج بأن المواجهات مع حماس عند السياج، بشكلها الحالي، هي الخيار المفضل أكثر من أشكال العمل العسكري الأخرى التي بإمكان دولة إسرائيل والجيش تنفيذها في السياق الغزي».
خلفيات تهديدات نتنياهو وبينت وليبرمان نابعة من الانتخابات


يأتي ذلك في مقابل خيارات بديلة تخشى إسرائيل من مفاعيلها؛ «هذا أفضل من اجتياح عسكري بري للقطاع يسقط فيه عشرات المصابين من جانبنا ويهرول فيه كل جنوب ووسط إسرائيل إلى الملاجئ كل بضع ساعات وطوال أسابيع». كما تتقاطع هذه المعطيات مع التقديرات التي تؤكد أن تل أبيب تتخوف من مفاعيل أي خيار عدواني واسع، فضلاً عن الأفق المحدود لأي خيار من هذا النوع، إضافة إلى أن عملية عسكرية واسعة ستؤدي إلى زيادة الغليان في الضفة المحتلة.
ولفتت «يديعوت» إلى أن ما ينبغي أخذه بالحسبان أيضاً أن «يحاول الإيرانيون وحزب الله على الجبهة السورية واللبنانية استغلال انشغال الجيش في القطاع كي يعززوا قوتهم أو حتى ينفذوا هجوماً». كذلك، يرى الجيش الإسرائيلي أن من شأن عملية عسكرية واسعة إرباك استمرار بناء جدار تحت سطح الأرض حول القطاع، الذي يفترض أن ينتهي العام المقبل.
استناداً إلى هذه الرؤية مجتمعة، أوصى الجيش و«الشاباك» و«مجلس الأمن القومي» أمام المجلس الوزاري المصغر بتبني خيار المواجهة الموضعية على السياج مع القطاع، ومن ثم تجنب شنّ حرب على غزة.
لكن، أقرت «يديعوت» بأن خلفيات التهديدات التي أطلقها بنيامين نتنياهو وبينت وليبرمان «نابعة من أجواء الانتخابات»، وأن الحكومة الإسرائيلية لا تجرؤ على مصارحة الجمهور بأن هذا هو الموقف. وفي كل مرة تبالغ فيها «حماس» بالاستفزازات، يتحدث المسؤولون الإسرائيليون بلغة الغضب متوعدين بأن صبرهم قد نفد أو على وشك ذلك، لكنهم يعودون إلى الاستدراك بمنح «فرصة أخيرة» للحركة، وهي في الواقع فرصة لإسرائيل من أجل النزول عن أعلى الشجرة التي صعدت إليها بفعل التهديدات التي تطلقها.
في هذه الأجواء، يتقاطع العديد من المعلقين العسكريين حول تقدير مفاده أن «لا مصلحة لإسرائيل في شن حرب جديدة ضد غزة في المرحلة الحالية». مع ذلك، تخوفت الصحيفة من أن يؤدي الخطاب الحماسي للحرب في مرحلة ما قبل الانتخابات إلى تصعيد لا حاجة إليه، «سيكلفنا ثمناً دموياً باهظاً أكثر بكثير من الثمن الذي ندفعه الآن مقابل المواجهات عند السياج».