تسعة أيام على تكليف عادل عبد المهدي تأليف الحكومة الاتحادية، من دون أن يقدّم إلى الآن مسودة أولى عن «كابينته» الوزارية، بل مكتفياً بلقاء الساسة العراقيين، والغوص ـــ مع فريقه ـــ في تحديد معايير انتقاء الوزراء وبرنامج عملهم المقبل. مراوحة قد تُكسر مطلع الأسبوع المقبل، في ظلّ توقعات بأن يحرز عبد المهدي تقدماً متمثّلاً في تحديد الشكل الأوّلي لحكومته، خصوصاً أنه يخوض سباقاً مع الوقت لإرضاء تطلّعات القوى السياسية الآملة بتحقيق أكبر قدر من المكاسب. ووفقاً للدستور، فإن المهلة الممنوحة لتأليف الحكومة هي 30 يوماً (تنتهي مع بداية الشهر المقبل)، قابلة للتمديد 15 يوماً، قبل أن يعيد رئيس الجمهورية تكليف شخصية أخرى تسمّيها «الكتلة النيابية الأكبر»، إذا ما فشل المكلّف في إتمام مهمته خلال «المهلة الدستورية».وفي موازاة الترقب الذي يسود العاصمة بغداد، يخيّم الصمت على مقرّ «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) في النجف، في ظلّ رفضها الإدلاء بأي مواقف في شأن التأليف الحكومي وما سبقه. ومع ذلك، فإن مسؤولاً كبيراً مطلعاً على مسارات التأليف أكد، أمس، أن «قرار تسمية عبد المهدي جاء بعد موافقة المرجعية، على رغم أنه لا يوافي شروطها المطروحة التي شدّدت عليها هي نفسها»، مشيراً في حديثه إلى وكالة «فرانس برس» إلى أن تلك الشروط «متعلقة بعدم إشراك مسؤولين سبق أن شاركوا في السلطة خلال السنوات الماضية». ويرجع مراقبون صمت «المرجعية» إلى أنها تريد اختبار مدى جدية الكتل السياسية في تأليف حكومة تُعقد عليها الآمال، وكذلك كفاءة القوى الصاعدة («سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري) بعد إجراء الانتخابات التشريعية في أيار/ مايو الماضي.
لم يقرر عبد المهدي التفاعل الجدي مع مرشحي نافذته الإلكترونية


في خضم ذلك، يرى محلّلون أن المراوحة السائدة حالياً إنما هي تعبير عن «عجز» عبد المهدي ـــ حتى الآن ــ عن حسم شكل المشاركة «الشيعية» في الحكومة ما بين تكنوقراط، أو حزبي، أو تكنوقراط حزبي، إضافة إلى عجزه عن تحديد حصتَي المكونين «السُنّي» و«الكردي». ويضيف هؤلاء أن «عبد المهدي لم يقرر بشكل جدي التفاعل مع مرشحي نافذته الإلكترونية» (وصل عدد مقدمي سيرهم الذاتية إلى 36 ألف طلب)، مع الإشارة إلى أن الرئيس المكلّف يبحث عن مخرج لمعضلة «الاستقلالية»، وقدرته على إنتاج ورقة ضغط على القوى السياسية، التي تبتزّه بتجربة العام الواحد، وتهدّده بسحب دعمها.
هذه الكتل نفسها تذهب بعيداً في الدفاع عن حصصها، وهي لا تتردد في القول داخل أوساطها أن الحكومة «ستركب» على شكل حصص، لكن بمسمى آخر. في هذا السياق، نقلت «فرانس برس»، عن الناطق باسم «الفتح»، أحمد الأسدي، قوله إن «الكتل ستقدّم مرشحيها على أنهم مستقلون، وستفعل ما في وسعها للإبقاء على حقائبها الوزارية، لأن ذلك استكمال للاستحقاق الانتخابي». كما نقلت عنه أن «توزيع الحقائب سيكون مختلفاً هذه المرة... فالمحاصصة ستكون وفق التحالفات السياسية، وليس على أساس حصص المكوّنات». تصريحات تتقاطع مع أخرى للقيادي في «ائتلاف النصر»، محمد الموسوي، الذي رأى أن «بعض الكتل السياسية ستلجأ لسياسة فرض الأمر الواقع لإحراج عبد المهدي في تشكيله لحكومته»، مضيفاً أن «بعض الكتل تحاول توسيع حصصها على حساب الكتل التي دعمت رئيس الوزراء المكلف في حرية اختياره لوزرائه... وهذا قد يؤسس لمشكلة سياسية قد تطيح بالتشكيلة الوزارية المقدّمة». وإزاء تلك المحاولات والمطالب المتكاثرة، يحاول عبد المهدي تدوير الزوايا، وإرضاء أوسع شريحة ممكنة من القوى السياسية، وإشراكها في الحكم بهدف إنجاح تجربته، التي يقول أمام زواره إنها ستتركز على إعادة الإعمار، وتوفير الخدمات، وفرص العمل، والنهوض بالاقتصاد.