ترتفع فرص تنشيط مسار «الحل السياسي» في جنيف بالاستناد إلى توافقات دولية قائمة حول طرح «اللجنة الدستورية»، وسط هدوء نسبي يسود خطوط التماس في سوريا. وبينما تبدو روسيا وتركيا متمهّلتين في تنفيذ «اتفاق سوتشي» وفي الانتهاء من وضع تشكيلة «اللجنة الدستورية»، يظهر أعضاء «المجموعة المصغّرة» في المقابل استعجالاً نحو تحقيق «انتقال سياسي» عبر دستور جديد، قبل حصول أي تغيير كبير في واقع سوريا الحالي؛ لا سيما في قضايا إعادة الإعمار وعودة اللاجئين والعقوبات الاقتصادية.الشرط الغربي التقليدي لسحب العقوبات والمشاركة في تمويل إعادة الإعمار، لطالما كان حصول «انتقال سياسي» حقيقي. غير أن تكامل صيغة «مؤتمر سوتشي» عن الحل السياسي مع القرار الأممي الأهم في هذا السياق (2254)، عقب تحسّن الواقع الميداني لمصلحة الحكومة السورية، قد يفرض «قواعد» جديدة. أول من أمس، خرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بتصريح لافت في هذا الإطار؛ قال فيه: «إذا لم تضمن سوريا الانسحاب الكامل للقوّات المدعومة إيرانياً، فهي لن تحصل على دولار واحد من الولايات المتحدة لإعادة الإعمار». هذا الموقف الواضح من الولايات المتحدة يتخطى الحديث عن «حل سياسي»، وصولاً إلى فرض قيود مسبقة على مخرجات ذلك «الحل». وهو يعيد إحياء لغة بعض الدول الإقليمية في سنوات الحرب الأولى، التي اشترطت «قطيعة مع إيران» لوقف دعم الجماعات المسلحة المناوئة لدمشق.
حديث بومبيو هذا، جاء في خطاب أمام «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي» في واشنطن. ولفت فيه إلى وجود «وضع جديد في سوريا يتطلب إعادة تقييم مهمة الولايات المتحدة» هناك، شارحاً أن «النظام عزّز سيطرته... بفضل روسيا وإيران»، في حين بات تنظيم «داعش» ضعيفاً، على حد تعبيره. وقال الوزير الأميركي أن هزيمة «داعش» هي الهدف الأوّل لبلاده، ولكنها ليست «الهدف الوحيد». وفي السياق نفسه، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر ديبلوماسي لم تسمّه، قوله إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بات يقول لمحاوريه الدوليين إنه «باق (في سوريا) بسبب إيران». ويؤكد بومبيو وفق المصدر ذاته أنه على رغم «الصعوبات القانونية» على خلفية تحفظ الكونغرس حين تعمد الإدارة الأميركية بشكل أحادي إلى توسيع مبررات تدخلاتها العسكرية، فإن الولايات المتحدة «ستجد وسيلة للبقاء». ويلخّص للوكالة أحد الديبلوماسيين الغربيين، توجّه واشنطن وحلفائها، بالقول: «لدينا ورقتا ضغط في سوريا... وجودنا على الأرض، وكون دمشق وروسيا بحاجة إلى أموال دولية من أجل إعادة الإعمار». وبينما تعمل موسكو على كسب تعاون غربي في مسألتي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، لم توفر دمشق فرصة للتأكيد على أنها لا ولن تراهن على مشاركة الدول «التي رعت الإرهاب»، في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار. وبالتوازي، تتبنى الدول العربية المصطفّة خلف الولايات المتحدة، تصوّر الأخيرة في شأن التعامل مع الملف السوري، وهو ما عاد وأكده أمس السفير السعودي في الأردن، خالد بن تركي، في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» الروسية.