باتت ملابسات جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مكشوفة، بأنها جرت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، الثلاثاء الماضي. ولم يبقَ سوى أن تنشر السلطات التركية شريطاً مصوراً لعملية القتل و«التشريح»، قالت إنها استحوذت عليه، بعدما صورته فرقة الاغتيال السعودية.
فرقة اغتيال أم اعتقال؟
في ظل تسارع انكشاف تفاصيل الجريمة، تبتلع السعودية لسانها وتلتزم الصمت. لا ردّ حتى الآن، على ما كشفته وسائل الإعلام التركية، من أن خاشقجي قُتل يوم دخوله قنصلية بلاده، على أيدي 15 سعودياً، وصلوا بطائرتين خاصتين، حطتا في مطار «أتاتورك» الدولي، ودخلوا القنصلية بالتزامن مع وجود خاشقجي داخلها، بسيارات ديبلوماسية.
السلطات التركية، وضعت ولي العهد محمد بن سلمان، أمس، في مأزق كبير، بعدما كشفت عن هوياتهم، بالصور، خصوصاً أن بينهم ثلاثة من «وحدة الحماية الخاصة» لولي العهد، وهو ما بدا في مقارنة الصور التي نشرها الإعلام التركي لهم، أثناء وجودهم في المطار، وصور لمرافقين لابن سلمان، ظهروا إلى جانبه في مناسبات عدة. ومن بين هؤلاء، ضباط تابعون للحرس الملكي السعودي، وعناصر من الاستخبارات، والأهم من بينهم، مدير الطب الشرعي في الإدارة العامة للأدلة الجنائية، التابعة للأمن العام، صلاح محمد الطبيقي، الذي كان من بين أهم «إنجازاته»، تصميم مقطورة متحركة، تُعد الأولى من نوعها على مستوى العالم، تحتوي على أحدث التقنيات التي تمكنها من تشريح الجثث وإخراج النتائج في فترة زمنية لا تتجاوز 7 دقائق، بحسب ما ذكرت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية، في تقرير نشر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014، كان يروج لخدمة المملكة للحجاج، بالقول إن الهدف من المقطورة أن «تكون في المشاعر المقدسة لسرعة الإنجاز في حالات الوفاة».
ترفض السعودية دخول المحققين الأتراك إلى القنصلية أو منزل القنصل حتى الآن


وفق «معلومات الاستخبارات البريطانية والأميركية»، يبدو أن الهدف الأساسي لم يكن الاغتيال، بل الاعتقال، بهدف تسفيره إلى السعودية والتحقيق معه، ومحاكمته سرياً. فبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، اعترضت الاستخبارات الأميركية «اتصالات لمسؤولين سعوديين، يبحثون خطة لاعتقال خاشقجي»، فيما ذكرت وكالة «رويترز» أن المخابرات البريطانية باتت «مقتنعة» بأن خاشقجي «قُتل داخل القنصلية بجرعة مخدرة زائدة»، يبدو أنها كانت تهدف إلى تخديره حتى وصوله إلى السعودية، لكن «الجرعة الزائدة» أدت إلى موته، ما دفع ابن سلمان إلى أمر «عصابته» بإخفاء الجثة. ووفقاً لما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، عن مكتب الأمن التركي، أمس، فإن خاشقجي قُطّع بـ«منشار عظم» جلبه فريق الاغتيال معه من السعودية، الأمر الذي أكدته صحيفة «خبر ترك» التركية، بالإشارة إلى أن «طائرات من دون طيار، رصدت 3 أشخاص يحملون معدات، دخلوا القنصلية مساء الثلاثاء، من الباب الخلفي، وغيّروا الأقفال في القنصلية». لكن ثمة أسئلة تبقى معلقة هنا، عن السبب من وراء جلب فريق الاغتيال «منشار عظم» معهم قبل قتله بـ«الجرعة المخدرة»، بل عن الدافع لذهاب مختص في تشريح الجثث مع فرقة الاغتيال السعودية. ما يترك الباب مفتوحاً للاحتمال الأول، بأن الهدف كان الاغتيال وليس الاعتقال.
بعد تقطيع جثة خاشقجي داخل القنصلية بـ«منشار عظم، كما في فيلم بالب فيكشن (Pulp Fiction)»، بحسب تعبير مصدر في مكتب الأمن التركي، لصحيفة «نيويورك تايمز»، وصلت سيارة سوداء، ذات زجاج داكن، بحسب ما تكشف تسجيلات كاميرات المراقبة الخارجية، إلى مبنى القنصلية، وشوهد رجال من الداخل، ينقلون «صناديق» لم يُعرف ما بداخلها إلى السيارة التي خرجت بعد ذلك باتجاه طريق سريع قريب من القنصلية، ولحقتها قافلة، من ست سيارات تحمل لوحات ديبلوماسية تابعة للقنصلية، تقل فرقة الاغتيال السعودية، واتجهت ثلاث منها يساراً، بينما اتجهت البقية يميناً، فيما اتجهت السيارة السوداء التي يشتبه في أنها تحمل «الصناديق»، إلى منزل القنصل محمد العتيبي، فيما أكد مسؤول تركي رفيع لصحيفة «واشنطن بوست»، أمس، أن «السعودية ترفض دخول المحققين الأتراك إلى منزل القنصل، ما يرجح أن جثة خاشقجي بداخله، إذ إنها لا تزال موجودة في تركيا، لكون فريق التحقيق التركي لم يعثر على أثر لخاشقجي».

رد فعل غربي باهت!
لم يهدأ مكتب محمد بن سلمان، أمس، من اتصالات الرؤساء والمسؤولين الغربيين، الذين يطالبونه بالحقيقة، كما لو أنه استجواب ما قبل الاعتراف بالجريمة التي زالت المعلومات والتحقيقات أمس الشكوك حولها، إذ أعلن الرئيس دونالد ترامب، أنه تحدث إلى مسؤولين على أعلى مستوى في السعودية، وطلب منهم «إجابات» عن اختفاء خاشقجي، فيما ناقش كل من وزير الخارجية، مايك بومبيو، وصهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، مع ابن سلمان، القضية، من دون الكشف عن مضمون تلك الاتصالات. لكن إعلان النائب، مايك بنس، أن واشنطن مستعدة لإرسال محققين إلى تركيا «إذا طلبت السعودية ذلك»، رداً على سؤال في برنامج إذاعي، اعتبره مراقبون «غطاءً أميركياً لجريمة واضحة»، فيما اعتبر كبير الديموقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، آدم شيف، في بيان، بعد اجتماع بشأن قضية خاشقجي، أن تصريحات ترامب بشأن قلقه «فاترة ولا تتوافق مع فداحة الوضع».