كادت المفاوضات تنهار قبل أن تبدأ. لم يجلس الوفدان السوريان حتى في محطة الانطلاق في رحلتهما نحو السلام المفترض. أصبح ابقاء الوفدين في سويسرا هدف رعاة مؤتمر «جنيف 2». يومياً يتمظهر على نحو أوضح حجم الهوة بين وفد الحكومة السورية و«الائتلاف» المعارض. شروط ما قبل انعقاد المؤتمر لا تزال أروقة جنيف تشهدها. «الائتلاف» يريد من الوفد الحكومي الاعتراف بـ«جنيف 1» قبل الجلوس على طاولة واحدة، فيما للوزير وليد المعلم وفريقه، اللذين اعترفا ببيان «جنيف 1»، تفسير مختلف لبنوده.
رمّم الدبلوماسي الأممي الأخضر الإبراهيمي خلافات أمس والتهديدات بالانسحاب، ليعقد الوفدان اليوم أول اجتماع مشترك. وقالت مصادر دبلوماسية، في السياق، إنّ وفدي الحكومة السورية والمعارضة وافقا على بحث اتفاق محتمل خلال اليومين المقبلين للسماح بوصول مساعدات انسانية إلى مدينة حمص المحاصرة في إطار إجراءات لبناء الثقة. وأضافت «بُحثت الجوانب العملية... الأمور جاهزة ويمكن أن يحدث الأمر سريعاً ما لم تعرقله الحكومة». وأوضحت أن الخطة الأولية تتضمن أن يوضح الإبراهيمي رؤيته اليوم في كلمة مدتها 30 دقيقة أمام الجانبين، قبل أن يتحدث مع كل طرف منفرداً. وذكرت المصادر أن الجانبين وافقا على مناقشة حمص كخطوة أولى، وإذا تمكنا من التوصل إلى اتفاق، فقد يبدأ تدفق المساعدات يوم الاثنين على أقرب تقدير.
اجتماع أمس فشل إذاً، «الائتلاف» على تهديده، والمعلم هدّد بالعودة إلى دمشق «إذا لم تعقد محادثات جادة غداً (اليوم)»، مشيراً إلى أن «الطرف الآخر غير جاهز». وفي السياق، أكد مصدر مقرب من الوفد، لوكالة «فرانس برس»، أنّ هذه الخطوة «ليست تهديداً، بل هي دعوة موجهة إلى الابراهيمي للضغط على المعارضة لتكون أكثر جدية».
بدوره، رأى نائب وزير الخارجية، فيصل المقداد، أنّ «المشكلة أن هؤلاء الناس لا يرغبون في عقد السلام. يأتون إلى هنا مع شروط مسبقة لا تتوافق في أي شكل مع جنيف واحد، وتتعارض مع رغبات الشعب السوري وحتى مع خطط الابراهيمي». وأضاف: «كان الاقتراح أن نأتي إلى هنا اليوم، ويجلس وفد الحكومة السورية الى يمين الطاولة، والمعارضة على الطرف الآخر. يبدو أن المعارضة لم تقبل هذه الصيغة». وتابع: «بالطبع نحن مستعدون للجلوس في الغرفة نفسها، وإلا لمَ أتينا إلى هنا؟».
من جهته، شدّد وزير الاعلام عمران الزعبي على أن «الرئيس بشار الاسد سيكمل ولايته وفقاً للدستور السوري الذي يسمح له بالترشح مجدداً»، للانتخابات المقرر أن تجري منتصف هذه السنة. وأضاف: «هذه مسألة منتهية، وفي الانتخابات المقبلة يمكن أن يكون هناك مرشحون آخرون، وفقا للتعديلات الدستورية الموجودة».
في موازاة ذلك، قال دبلوماسي غربي إنّ «الهدف هو أن تستمر الجولة الأولى من المحادثات حتى يوم الجمعة المقبل، لكن التوقعات محدودة جداً، وسنرى كيف ستتطور الأمور يوماً بعد آخر». وأضاف: «كل يوم يواصلون فيه المحادثات هو خطوة صغيرة إلى الأمام».
وكان يفترض أن تبدأ المفاوضات، أمس، باجتماع صباحي في غرفة واحدة لا يتبادل خلاله الوفدان الكلام، بل يستمعان إلى كلمة الابراهيمي، على أن ينفصلا بعد ذلك، ويجلس كل منهما في غرفة، ويتنقل الإبراهيمي بينهما، إلا أنّ الأمم المتحدة أعلنت قبل ساعة من موعد الاجتماع تغيير البرنامج. واجتمع الموفد الخاص مع كل من الوفدين على حدة.
واستبعد الابراهيمي، رداً على سؤال، احتمال مغادرة الوفدين سويسرا ووقف المفاوضات، مضيفاً: «الطرفان سيكونان هنا غداً، وسيجتمعان. لا احد سيغادر السبت ولا الأحد».
وسرت شائعات عن مغادرة رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا سويسرا، قبل أن ينفيها «الائتلاف»، ويتهم الحكومة السورية بالترويج لها.

ظريف: قرار حزب الله ذاتي

في سياق منفصل، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنّ لا علاقة لبلاده بقيام حزب الله بارسال مقاتلين إلى سوريا. وقال الوزير الإيراني، أمام منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، «نحن لا نرسل أشخاصاً إلى سوريا. لقد اتخذ حزب الله قراره بنفسه».
وجاء كلام ظريف رداً على سؤال من مديرة الندوة اتهمت فيه طهران بارسال مقاتلي حزب الله إلى سوريا. وناشد ظريف العناصر الأجانب الموجودين في سوريا الرحيل وترك البلاد، «والسماح للسوريين بتحديد مستقبلهم، وأن يجري التوقف عن إرسال الأموال والأسلحة إلى سوريا». وذكر أنّ التطورات التي تشهدها سوريا يدفع ضريبتها المواطنون من أرواحهم، لافتاً إلى أن الوضع يهيئ الجو للإرهابيين والمتطرفين.
من جهته، قال نظيره الأميركي، في المؤتمر الاقتصادي أيضاً، إنّ «المعارضة السورية لن تترك الحرب، ما دام الأسد في السلطة». وناشد كيري الرئيس السوري ترك منصبه «باسم السلام وباسم مستقبل بلاده... وإلا فإن الاستقرار لن يعرف لسوريا سبيلا».
إلى ذلك، طلب الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، بعد لقاء مع البابا فرنسيس أمس في روما، أن يستقبل الفاتيكان «الائتلاف» السوري. وأكّد أنّ «مؤتمر جنيف يجب أن ينص على الانتقال»، فيما أعلنت الخارجية الفرنسية أنّ «النظام السوري سيكون مسؤولاً عن فشل المفاوضات إذا انسحب من مؤتمر جنيف». وأوضح المتحدث باسم الخارجية، رومان نادال، أنّ بلاده تأمل اتخاذ «اجراءات ثقة» مثل الافراج عن معتقلين ووقف النار وتوسيع المساعدات الانسانية، وتسهيل وصولها إلى بعض المناطق في البلاد.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)