القاهرة | صحيح أن الدستور المصري ينص على ألّا يترشح عبد الفتاح السيسي مجدداً في 2022، مع انتهاء مدة ولايته الحالية (الثانية)، لكن الخطوات التي يجريها النظام تمهد لعكس ذلك، وذلك في ظل اتباع سياسة السيطرة وخنق المناخ العام بصورة غير مسبوقة، خاصة بعدما فرغ النظام من الصراعات الداخلية التي دارت في الولاية الأولى بين جهازي «المخابرات العامة» و«المخابرات الحربية»، وانتهت بسيطرة الأخيرة على المشهد كلياً والتحكم في جميع القرارات المصيرية.
السيطرة على البرلمان والإعلام
غيرت «الحربية»، التي أتى السيسي من صفوفها، والتي يمسك رجلها السابق عباس كامل بـ«العامة»، سياسة التعامل مع جميع الملفات. الخلفية العسكرية الصارمة التي نشأ فيها قياداتها باتت المحرك الرئيسي لهم في جميع التصرفات والتوجيهات المذيّلة بتوقيعاتهم. فبخلاف السيطرة على البرلمان، ومنع نواب المعارضة الحقيقية من ممارسة أي دور، نفذت المخابرات في الشهور الماضية عملية استحواذ كامل على المحطات التلفزيونية الخاصة، بالقوة الجبرية والتهديد، بل دون سداد أي مستحقات لمالكي القنوات الأصليين، بل كان المقابل إبقاءهم تحت الحماية، وإلا فسيُصار إلى مخالفتهم.
هكذا جرى الاستحواذ على مختلف الشاشات، بل عوقب كل من أبدى اعتراضاً أو تحفظاً على تنفيذ التعليمات، من الإعلاميين والمنتجين، بعقوبات قاسية وصلت إلى حد المنع من الظهور، أو الإجبار على الظهور عبر قنوات أخرى وتقديم أنواع اخرى من البرامج التي لا تنتقد الواقع ولا تتطرق كثيراً إلى السياسة. وحتى الدمية الساخرة «أبلة فاهيتا»، التي اعتزلت السياسة في برنامجها، لم تسلم من الاعتراض على محتوياته. ووفق المعلومات، تصل نسب الاستحواذ لأجهزة الدولة في المحطات المختلفة إلى 51%، ما يشكل رقيباً يمنع بث أخبار كثيرة، في الوقت الذي أغلقت فيه قنوات أخرى وسرّحت إعلامييها دون الحصول على تعويضات مالية. والمشهد اليوم هو سياسة «الصوت الواحد» التي تسيطر على المحطات، مع التركيز على موضوعات معينة واستمرار الاحتفاء بأي مشروعات يدشنها الرئيس مع منع ذكر أي جوانب سلبية فيها. مشهد يعيد الذاكرة إلى الحكم السابق وحتى ما قبله، إلى حدّ أن قرارات رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع الأسعار، كانت تبرر بوصفها داعمة للاقتصاد ومفيدة للأجيال المقبلة!

تغييب الوجه المنافس
هذه الخطوات كلّها مردها إلى خشية النظام من عنصر المفاجأة، مع أنه لا يوجد وجه سياسي يمكن أن يكون قادراً على مواجهة السيسي في أي انتخابات مقبلة. وقانونياً، يجري العمل لتعديل الدستور وزيادة مدة الرئاسة لتصير 5 أو 6 سنوات، فضلاً عن تعديل يتيح له الترشّح لمرة ثالثة وأخيرة أو جعل مرات الترشّح مفتوحة، الأمر الذي يكسب السيسي وقتاً إضافياً، لكن يبقى الخوف من عنصر المفاجأة وسيناريو ظهور وجه يجمع شتات المعارضة ويربك النظام، وهو ما يجعل رجاله يسعون إلى إسكات أي صوت حتى لو لم يكن مسموعاً. أما بشأن رجال النظام أنفسهم، فسجلت الشهور الماضية أحداثاً متسارعة، منها ما هو استباقي، ومنها ما هو عقابي، كالقبض على الفريق سامي عنان ومحاكمته عسكرياً وسرياً.
سيطر النظام بصورة شبه كلية على الإعلام والبرلمان وقيّد البقية


كذلك أُوقف المستشار هشام جنينة وأُحيل على المحاكمة (على خلفية تصريحاته عن وجود أوراق سرية مع عنان من أيام «ثورة 25 يناير» تدين شخصيات عدة، ومنها السيسي شخصياً)، مروراً بتوقيف السفير معصوم مرزوق والقبض عليه بعد دعوة طرحها للتظاهر في ميدان التحرير، وأيضاً توقيف المعارض حازم عبد العظيم الذي تولى «لجنة الشباب» في حملة السيسي الانتخابية عام 2014 بسبب دعوته إلى تشكيل تكتل للمعارضة يخوض الانتخابات، وصولاً إلى استصدار حكم ضد المحامي خالد علي، يمنعه مستقبلاً من الترشح لانتخابات الرئاسة. هذا بشأن من كان مع السيسي أو مثّل جزءاً من «المخضرمين»، لكن النظام يخشى المفاجآت أيضاً من النظام الأسبق ووجوهه، مثل نجلي الرئيس الأسبق حسني مبارك، علاء وجمال، خاصة عقب ظهورهما في أكثر من مناسبة والترحيب الشعبي بهما، ولذلك عمل على اعتقالهما لأيام قبل الإفراج عنهما. فالرجلان، اللذان سبّبا خروج الشعب على النظام في 2015، مرحّب بهما الآن بعد قرارات رفع الأسعار وتحريك سعر الصرف وصعوبة الحالة المعيشية للمواطنين أكثر من أي وقت مضى، خاصة أنهما يسعيان إلى الحصول على حكم قضائي بإبراء ذمتهما في قضية القصور الرئاسية التي أدينا فيها، وفي حال نجاحهما في ذلك، يمكن أن يخوض أي منهما الانتخابات المقبلة.
أما من خارج نظام السيسي، فلا يوجد شخص واحد قادر على مواجهة «الجنرال» في أي انتخابات (لو طرأ تعديل يسمح للرئيس بالترشح مرة جديدة - أو أخيرة - بعد ولايته الثانية). الأمر المرتبط بالخوف الذي زرعه الأمن في الأحزاب والسياسيين من مصير مظلم، وسط تأكيدات داخلية (وأمنية) بأن الدعم الذي كان موجوداً في السابق من الدول الأوروبية تحت مسميات حقوق الإنسان لن يكون متوافراً مستقبلاً مهما ارتكب النظام من أخطاء بحق معارضيه. هذه التأكيدات، من قيادات النظام، يؤكدها النظام بطريقته أيضاً، وذلك بالتوسع في استصدار الأحكام المتعاقبة بحق قيادات «الإخوان المسلمون» وحتى المتهمين بالانضمام إلى الجماعة التي صنفتها الحكومة «إرهابية»، بالتوازي أيضاً مع حزمة قوانين صدرت أخيراً ومكّنت الدولة من مصادرة أموالهم وضمها إلى خزانة الدولة دون انتظار أي أحكام نهائية.
الاستثناء الوحيد من كل ذلك، حتى الآن، هو الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، الذي تجري محاولات لترضيته واستمالته من وقت إلى آخر، خاصة أن السمعة التي يتمتع بها عربياً ودولياً تجعل النظام غير قادر على التعامل معه بطريقة الردع التي عومل بها الفريق أحمد شفيق وأجبرته على الانسحاب من الحياة السياسة كلياً، أو سياسة التهديدات بالزج في السجون التي جرى التعامل بها مع حمدين صباحي (منافس السيسي في انتخابات 2014) الذي أعلن أنه لن يترشح مستقبلاً مرة أخرى.