عشية ذكرى ثورة «25 يناير» التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، شهدت القاهرة يوماً دامياً سقط خلاله ستة قتلى على الأقل وعشرات الجرحى في أربعة انفجارات. تطور نوعي للمواجهات بين التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي، وبين الأمن المصري، التي سقط فيها أيضاً ما لا يقل عن 6 قتلى بحسب مصادر رسمية في اشتباكات دارت بين الطرفين أمس، فيما لامس الرقم الذي سربته جماعة الإخوان المسلمين الـ9.
كما قُتل 12 شخصاً في اشتباكات بين مؤيدين لمرسي وقوات الأمن أو بينهم وبين مناوئين للرئيس المعزول.
ولعل تصاعد مستوى العنف عشية هذه الذكرى، يعود إلى أنها باتت أشبه بالمعركة الحاسمة بين السلطات المصرية ومناصري مرسي الذين لن يجدوا فرصة أخرى للتصعيد قبل موعد الانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها في نيسان المقبل، وهو ما دفع تحالف دعم الشرعية الذي تقوده «الإخوان» إلى دعوة مناصريه لأعلى درجات التصعيد تحت عنوان «النفير العام». معركة دموية لا شك في أنها ستصب في نهاية المطاف في مصلحة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، الذي سيظهر بأنه الأكفأ للرئاسة تحت عنوان أنه الوحيد القادر على لجم «الإخوان» وإعادة الاستقرار.
وفي تطور لافت لشكل المواجهات بين القوى المتصارعة في مصر، يُذكّر بما حدث ويحدث في سوريا، انفجرت سيارة مفخخة في محيط مبنى مديرية أمن القاهرة، وأوقعت 4 قتلى و76 مصاباً وفق مصادر أمنية قالت لـ«الأخبار» إن سيارة رُكنت أمام باب المديرية، هرب سائقها، ثم فُجرت عن بُعد.
وبعد وقت قصير قُتِل مجند، وأصيب 4 آخرون في انفجار عبوة ناسفة قرب محطة مترو للأنفاق، غربي القاهرة. ثم انفجرت عبوة بدائية في محيط قسم شرطة «الطالبية» في منطقة الهرم في العاصمة أيضاً دون أن يبلغ عن وقوع إصابات. وقبل أن تنتهي الإدانات وقع مساءً انفجار رابع بالقرب من سينما رادوبيس في محافظة الجيزة، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة 4 آخرين. وقال التلفزيون المصري إن التفجير وقع جراء انفجار قنبلة، مشيراً إلى أن خبراء المتفجرات أبطلوا مفعول قنبلة أخرى في محيط دار السينما. وفي التحقيقات التي حصلت «الأخبار» على جزء منها أفاد الشرطي عاطف محمد عبد الوهاب، أحد المجندين الذين أصيبوا في الإنفجار، بأنه «في أثناء حضوره إلى مبنى المديرية صباح أمس آتياً من إجازته، فوجئ بوجود سيارة نقل بيضاء اللون تقف أمام مبنى المديرية. على الفور توجه إلى ضابط الدوام، وأخبره بوجود سيارة بيضاء اللون بعدد 2 كبينة تقف خارج مبنى المديرية، فتوجه الضابط بسرعة إلى غرفة الكاميرات للتحقق من هوية السيارة، وأبلغ رجال أمن الاستقبال بسرعة التحري على حقيقتها، ولدى وصوله إلى داخل غرفة الكاميرات وقع الانفجار، وأصيب العشرات من المجندين والضباط».
في وقت لاحق، دعت جماعة أنصار «بيت المقدس»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، التي تبنت انفجار مديرية أمن القاهرة، المصريين في بيان لها إلى «التزام بيوتهم يوم غد (اليوم) (ذكرى الثورة المصرية) ليبقوا آمنين».
وسارعت القوات المسلحة المصرية إلى توظيف الحدث سياسياً عبر بيان أكدت فيه «أن ما حدث من عمليات الخسة والغدر التي تقوم بها مجموعات إرهابية متطرفة... تستهدف بث الخوف والرعب في قلوب شعبنا العظيم، حتى تمنعه من استكمال استحقاقات خريطة المستقبل». وتعهدت القوات المسلحة للشعب «مواجهة الإرهاب الأسود بكل ما تملكه من قوة حتى تنجح في استئصال جذوره من مصر، وتنعم البلاد بالأمن والاستقرار». في الوقت نفسه، أصدرت الرئاسة بياناً قالت فيه إن مثل هذه الحوادث الإرهابية لن تؤدي إلا إلى «الإصرار على تنفيذ خريطة مستقبل الشعب المصري وإرادته».
وفي اتهام غير مباشر لجماعة «الإخوان»، شددت الرئاسة على «أن الدولة المصرية، التي سبق لها أن دحرت الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي ستدحره مجدداً وتجتثه من جذوره وستحارب القائمين عليه بلا هوادة، ولن تأخذها بهم شفقة أو رحمة، أولئك الذين تخلوا عن الوطن وابتعدوا عن صحيح الدين». موقف مشابه كرره رئيس الحكومة المصرية حازم الببلاوي، فيما رأى شيخ الأزهر أحمد الطيب أن «الجريمة... تمثل الجبن والخسة والوحشية، وهي جريمة ضد الدين والوطن والإنسانية». كذلك فعلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والمشيخة العامة للطرق الصوفية.
في المقابل، حمل التحالف المؤيد للرئيس المعزول، وجماعة الإخوان المسلمين، السلطات الحالية مسؤولية التفجيرات التي شهدتها مصر، أمس.
وأدان «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»، في بيان، «التفجيرات الجبانة التي حدثت فجر اليوم الجمعة، في خطوة استباقية ضد الموجة الثورية الجديدة - التي أعلنها التحالف - لاستكمال ثورة 25 يناير المجيدة، وعشية الذكرى الثالثة للثورة».
وحمّل التحالف «سلطات الانقلاب» المسؤولية كاملة عن التفجيرات، «خاصة بعد إعلان وزير داخلية الانقلاب عن حشوده ومعداته الثقيلة وتحصيناته غير المسبوقة لحماية أقسام الشرطة ومديريات الأمن».
وشدد بيان التحالف على أن الثورة ماضية في طريقها السلمي المبدع، داعياً «جماهير الشعب الثائر وشباب الوطن الحر إلى مواصلة التصعيد الثوري السلمي المبدع».
وفي بيان منفصل، قالت جماعة الإخوان المسلمين، إن «التفجيرات التي وقعت اليوم، في عدة أماكن في الجمهورية، تخدم النظام الحالي الذي يسعى لتمرير قرارات مرتقبة».
دولياً، جاءت أبرز الإدانات على لسان الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. وقالت السفارة الأميركية في القاهرة: «ندعم تماماً جهود الحكومة المصرية لتقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة». أما روسيا فقالت في بيان للخارجية: «نؤكد موقفنا المبدئي ونستنكر بشدة أية أعمال إرهابية، بما فيها تلك التي تستهدف مؤسسات الدولة بغض النظر عن دوافع المنظمين والمنفذين». وقالت فرنسا إنها «تقف إلى جانب مصر في مواجهة آفة الإرهاب»، مشددة على «مساندة استمرار عملية الانتقال» في مصر.
وكانت وزارة الآثار المصرية قد قالت إن متحف الفن الإسلامي تعرض للتدمير بالكامل إثر التفجير الذي استهدف مديرية أمن القاهرة.
إلى ذلك، أعلن مؤيدون للسيسي اعتصامهم في ميادين مصر بدءاً من اليوم حتى يعلن ترشحه للرئاسة. وقال مؤسس حملة «بأمر الشعب» عمرو جودة، إن الحملة قررت الاعتصام في ميدان التحرير وأمام القصر الرئاسي في الاتحادية وبقية الميادين الرئيسية في مصر غداً (اليوم) السبت، بعد تفجيرات اليوم (أمس) التي تؤكد ضرورة تولي السيسي للحكم من أجل إعادة الاستقرار لمصر، مشدداً على أنهم «لن ينسحبوا من الميادين إلا بعد ترشحه للرئاسة».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)