الرباط | صرخة قوية لامرأة شابة من فرط وجع الألم، عويل وصراخ وكرّ وفرّ. هكذا بدا المشهد بعد زوال يوم الأربعاء في ساحة باب الرواح في العاصمة المغربية الرباط، بمحاذاة مقر وزارة التعليم المغربية، بعد أن انهالت هراوات البوليس من دون رحمة على معلّمين مغاربة كانوا يحتجون للمطالبة بتسوية أوضاعهم الإدارية واعتماد شهاداتهم الجامعية منطلقاً للترقيات، بدلاً من خضوعهم للاختبارات.
هكذا سالت دماء «الأساتذة» على الأرصفة، ونُقِل عدد كبير منهم على عجل إلى المستشفيات بإصابات متفاوتة الخطورة، فيما كان نصيب عدد آخر الاعتقال.
مشهد حزين يكشف عجز الحكومة الواضح عن تدبير ملف اجتماعي بسيط، وعدم رغبتها في الدخول في حوار مع المحتجين الذين دخلت احتجاجاتهم شهرها الثاني، وهو ما يُنذِر بتفاقم هذه الأزمة في الأيام المقبلة، وخاصة أن المعلّمين المحتجين حمّلوا في بيان عقب القمع الذي تعرّضوا له، رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام المقبلة، في الوقت الذي دخل فيه المعتقلون منهم في إضراب مفتوح عن الطعام.
التصعيد الأمني الجديد، الذي بات يوصف في أوساط الأسرة التعليمية بـ«مجزرة 22 يناير»، دفع خمس نقابات مهنية تنتمي إلى أحزاب الغالبية والمعارضة على حد سواء، إلى إصدار بيان مشترك، تعلن فيه استنكارها وإدانتها لـ«الاعتداءات» التي طاولت بعض أفراد الأسرة التعليمية، معلنة دعمها لمطالبهم العادلة والمشروعة. وحمّل البيان الذي وقعته نقابات (الاتحاد المغربي، الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، الاتحاد العام للشغالين في المغرب، الفيدرالية الديموقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل) وزارة الداخلية المسؤولية الكاملة عمّا وقع، داعية رئيس الحكومة إلى التدخل عاجلاً، بقصد فتح تحقيق في الاعتداءات ومحاسبة المتورطين مع الإفراج الفوري عن المعلّمين المعتقلين ووقف المتابعات القضائية في حقهم.
تأتي هذه التطورات، في ظل تشبت حكومة بنكيران برفضها الإذعان لصوت المحتجين المضربين عن العمل، وتمسّكها بقرار إجراء الاختبار وعدم الاعتماد على الشهادات الجماعية معياراً للترقية.
وفيما ظهر أن الحكومة ترفض أي حوار مع المضربين، ولا تتعامل بجدية مع الوساطات التي تقدمت بها هيئات نقابية لإيجاد تسوية مناسبة للملف، ورغم طرح القضية في البرلمان المغربي، إلا أن الحكومة قررت إعلان إجراء الاختبارات، التي أعلن «الأساتذة» مقاطعتها، في شهر شباط المقبل.
في غضون ذلك، دعت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي، رشيدة بن مسعود، إلى إيجاد حلول منصفة لهذه الفئة، مشيرة إلى «تراجع في منسوب أعمال قيم الديموقراطية في ظل دستور جديد».
في السياق نفسه، يقول المعلّمون المحتجون إنهم تلقوا تهديدات من الوزارة بإحالتهم على المجالس التأديبية وبتطبيق مسطرة العزل في حقهم، فضلاً عن الاقتطاع من أجورهم.
من جهته، أحد المعلّمين المضربين عن العمل، يوسف أحنصال، وصف في حديث لـ«الأخبار» مقاربة الدولة بـ«القمعية» ولا تريد التوصل إلى حل لهذه الأزمة، قائلاً إن «الحكومة هي من ترفض الحوار، ولسنا نحن، هي من تهددنا بالطرد بشكل تعسفي عبر سلك مسطرة غير قانونية تنتهك حقّنا الدستوري في الإضراب، هي التي اعتمدت مقاربة أمنية في أكثر من مرة، هي المسؤولة عن هذا الاحتقان الحاصل وعن ضياع الزمن التعليمي بالنسبة إلى التلميذ».
هذا العجز الحكومي عن حل واحد من المشاكل الاجتماعية الكثيرة في المغرب، يعيد إلى الواجهة أسئلة عديدة، يبقى أبرزها مُنصبّاً على ما إذا كانت حكومة بنكيران تملك بين يديها حلول كافة الأزمات الاجتماعية والاحتجاجات الفئوية المختلفة التي تحاصرها يوماً بعد يوم، أم أن قراراً سيادياً وحده سيكون الحل في كل مرة؟
هذا الأمر يدعم تحليلاً يتداوله المقربون من حزب العدالة والتنمية، عن أن هناك محاولات من جهات معينة لتوريط الحكومة في وحل المشاكل الاجتماعية لتخسر المزيد من النقاط بظهورها كحكومة تسيء التقدير وتتعامل باستخفاف مع المطالب الاجتماعية المتكررة.
في ظل المشاكل العديدة المُستعصية على الحل في المغرب، يواجه بنكيران اليوم غضب المعلّمين، وآباء آلاف التلاميذ المتضررين، بما يشبه الجلوس على برميل بارود يهدد بالانفجار في أي لحظة.