تحت الضغوط الأميركية المتزايدة على السعودية، والتي تجلّى آخرها في تصريح دونالد ترامب أمس بأن بلاده لا تحصل من حليفتها على «ما يجب أن تحصل عليه»، توجّه محمد بن سلمان إلى الكويت، لبحث سبل رديفة لإرضاء ترامب. ولي عهد المملكة، التي ظلّت حتى وقت قريب تتنمّر في وجه الحياد الكويتي، يريد اليوم استرضاء جارته مقابل تسوية الخلاف على الحقول النفطية المشتركة.للمرّة الأولى بعد اعتلائه سدّة ولاية العهد، حطّ وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، في الكويت، الدولة التي ما فتئ مسؤولوه يتنمّرون في وجهها منذ اندلاع الأزمة الخليجية. فجأة، بدأ كيل المديح للكويتيين، والثناء على «التاريخ العميق والعلاقة الوثيقة» معهم، بعدما كان موقفهم المحايد من الأزمة مثار تشكيك وهمز ولمز. تبدّل لا يقرأه العارفون بالعلاقات الخليجية سوى من زاوية الضغط الأميركي المتصاعد على الرياض بهدف دفع فاتورة الحرب الاقتصادية على إيران، والتي ستولّد نقصاً في الإمدادات النفطية يُفترض بـ«الحلفاء» التكتّل لتعويضه. بتعبير أوضح، يأتي ابن سلمان إلى الكويت «لصّاً في هيئة فاتح»، هدفه «سرقة» نفط الكويتيين وأراضيهم، وفق ما يرى معارضون.
منذ منتصف الشهر الجاري، بدأ العزف الأميركي على وتر إعادة تشغيل الحقلَين النفطيَين المشتركَين بين السعودية والكويت، واللذين كان أُغلق أوّلهما (الخفجي) أواخر 2014، وثانيهما (الوفرة) منتصف 2015، لأسباب ادّعت الرياض مرة أنها تتصل بضرورات الحفاظ على البيئة وأخرى بإجراءات الصيانة، لكن الحقيقة أن خلفيتها هي الاعتراض الكويتي على الاستفراد السعودي بإدارة المنطقة المحايدة. مذاك، وفي قبالة مساعي الكويت لاستئناف الإنتاج الذي أضرّ توقفه بها أكثر مما أضرّ بالسعودية، لم تُلقِ الأخيرة بالاً للأمر حتى جاء أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة تعويض النقص الذي سينجم عن العقوبات على النفط الإيراني (تدخل حيّز التنفيذ في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل) بأي شكل من الأشكال.
يثير لقاء ابن سلمان برؤساء تحرير الصحف الكويتية علامات ارتياب


وعلى رغم أن السعودية أظهرت، منذ ما قبل إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة تفعيل العقوبات على الجمهورية الإسلامية، استعدادها لتلبية أي طلب أميركي في هذا الإطار، إلا أن حسابات الحقل بدا أنها مغايرة لحسابات البيدر، إذ فضلاً عن حاجة الرياض إلى أسعار نفط مرتفعة من أجل الدفع بتطبيق رؤية 2030 قدماً، وجدت المملكة أنها غير قادرة على فرض الإرادة «الترامبية» على منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) فوراً ومن دون مقدمات أو مهل زمنية، وهذا ما تجلّى مجدداً في الاجتماع الأخير لـ«أوبك» في الجزائر. من هنا، بدأ البحث الأميركي ـــ السعودي عن خطط رديفة بإمكانها تعويض نقص الإمدادات، جنباً إلى جنب الزيادات المحدودة التي سيتولّاها حلفاء الولايات المتحدة. وما السعي إلى إعادة تشغيل «الخفجي» و«الوفرة»، اللذين يمكنهما مجتمعَين إمداد السوق بـ500 ألف برميل يومياً، إلا جزء من تلك الخطط.
وفقاً لمصدر مطّلع تحدث إلى «رويترز»، فإن الوفد السعودي الذي يضمّ وزير الطاقة خالد الفالح، سيبحث استئناف إنتاج النفط في المنطقة المحايدة التي تتقاسمها المملكة مع جارتها. هدف كانت تعليقات المعارضين السعوديين والكويتيين على زيارة ابن سلمان اجتمعت على تأكيده، مُستبعدة أن تكون الأزمة الخليجية هي المحور الرئيس في المباحثات. من وجهة نظر المعارض السعودي فؤاد إبراهيم، فإن الزيارة «تخفي تحتها نذر شؤم»، كون ابن سلمان يستهدف «وضع يده كاملة على الحقول المشتركة شاءت الكويت أو أبت». وذكّر إبراهيم بأن «عبد العزيز استولى على ثلاثة أرباع الكويت بقرار كوكس البريطاني»، معتبراً أن «ابن سلمان يسيطر على حقولها المشتركة بقرار أميركي». ورأى المعارض الكويتي، النائب السابق عبد الحميد دشتي، من جهته، أن «قاتل أطفال اليمن ذاهب للكويت ليساوم حكومتها على ميناء الزور، يعني نشارككم في الزور أو ننهب حقكم في الخفجي والوفرة».
تلك هي إذاً الغاية الرئيسة من زيارة ولي العهد السعودي إلى الكويت. فهل سيتمكن الأمير الشاب من تحقيقها؟ وزير النفط الكويتي بخيت الرشيدي أعلن، أمس، أنه سيعقد اجتماعاً مع نظيره السعودي «لاستكمال تحقيق الأهداف المشتركة، ورسم خارطة طريق لعودة الإنتاج النفطي المشترك قريباً». قبل هذا التصريح، اتخذت المواقف الأميركية، بشأن المنطقة المحايدة السعودية ـــ الكويتية، منحى التفاؤل في التوصّل إلى تسوية «في المستقبل القريب». وعلى خط مواز، كانت تقارير محلية (كويتية) وأجنبية متعددة تتوقع عودة الإنتاج في «الخفجي» و«الوفرة» في كانون الأول/ ديسمبر المقبل. كلها مؤشرات تشي بأن الكويت ستلين أمام الضغوط السعودية، في مقابل إغراءات أو ضمانات قد تقدّمها لها المملكة من أجل تلافي المشكلات التي تسبّبت سابقاً في وقف الإنتاج. هذه المقايضة التي تُعدّ خطوة إضافية على طريق الحرب المَقودة أميركياً ضد إيران، تسود خشية لدى أكثر من طرف من أن تنسحب على ملفات أخرى. على المستوى الداخلي، يثير اللقاء المرتقب بين ابن سلمان ورؤساء تحرير الصحف الكويتية علامات استفهام وارتياب لدى المعارضين، الذين يرون أنه يستهدف «وضع سياسة تنسيقية موحدة لإجهاض ما تبقى من حرية الرأي والتعبير». أما خارجياً، فإن اللقاء نفسه والزيارة برمّتها يستفزّان الأوساط القطرية، خشية أن يكونا مقدمة لتبدّل في الموقف الكويتي المائل إلى الدوحة. وهو تبدّل لا يستبعد أن تكون خطوة ابن سلمان تتويجاً للضغوط الدافعة باتجاهه، خصوصاً في ظلّ حملة سعودية ـــ إماراتية ــــ بحرينية متجددة على قطر، تجلّى آخر فصولها في كلمات وزراء خارجية الدول الثلاث في نيويورك.