مساعي إطاحة السعيد بوحجة، جاءت عقب تنحيته الأمين العام لـ«المجلس الشعبي الوطني»، بشير سليماني، وهو الإجراء الذي كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، إذ استدعى الأمين العام لحزب «جبهة التحرير الوطني»، مباشرة، اجتماعاً طارئاً لبحث مصير بوحجة. مصدر مطلع في الحزب الحاكم، قال في حديث إلى «الأخبار»، إن «البرودة بين جمال ولد عباس، والسعيد بوحجة، لم تكن خافية على أحد، بسبب تجاهل الأخير لاجتماعات الحزب، وتصريحاته في الكواليس، الرافضة لطريقة تسيير جمال ولد عباس، واتخاذه مبادرات من دون العودة إلى قيادة الحزب، فضلاً عن إطلاق يده في التعيينات والإقالات داخل المجلس الشعبي الوطني، لمسؤولين ينتمون إلى الحزب، من دون استشارة قيادته».
ثمة بُعد أكبر من الصراع على المنصب في إطاحة بوحجة قبل موعد الرئاسيات
لكن الأخطر من كل ذلك، حسب المصدر، أن «ثمة مَن يُردد داخل الحزب، شبهات تحوم حول ولاء السعيد بوحجة للرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة»، وهي المسألة التي لا يمكن أن يتسامح معها الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، خاصة في هذا الظرف الحساس، الذي تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات رئاسية ربيع العام المقبل. غير أن بوحجة في الواقع، لم يظهر عليه، سياسياً على الأقل، أي انحراف عن خط دعم الرئيس بوتفليقة، وقد ذكر بوضوح في خطابه الأخير، الذي افتتح به الدورة البرلمانية، أنه يدعم الرئيس لمواصلة مسيرته في قيادة البلاد، بعد عرض مطوَّل لما عدّها إنجازات للرئيس «لا ينكرها إلا جاحد» كما قال. كذلك، لا يبدو بوحجة طامحاً إلى المنافسة على الرئاسة، إن لم يترشح بوتفليقة، فهو بالكاد صدّق ترشيحه لرئاسة «المجلس الشعبي الوطني» بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة (2017)، في ظل وجود أسماء عدة طرحت بقوة لتولي المنصب.
ورغم أن الأزمة التي يمرّ بها حزب «جبهة التحرير الوطني» تبدو في ظاهرها داخلية، ولا علاقة لها بالخط السياسي للحزب، المعروف بدعمه المطلق للرئيس، الذي يُعد عملياً رئيس الحزب، إلا أن اقترابها من موعد الرئاسيات، يعطيها أبعاداً أخرى. ففي قراءة للنائب السابق محمد صالحي، بشأن ما يجري أخيراً، يرى أن ظاهر «الصراع بين السعيد بوحجة، من جهة، وقيادة الأفلان ومن معها من أحزاب التحالف، من جهة أخرى، صراعٌ على مناصب البرلمان وأمواله وامتيازاته... لكن حقيقة الصراع، أن الجماعتين تخططان للتموقع والاستقواء، تحضيراً للرئاسيات القادمة... وربما لكل من الجهتين مرشحها، الذي هو ليس بالضرورة مرشح الجهة الأخرى». وما قد يزيد في الاعتقاد بوجود ربط بين دفع رئيس «المجلس الشعبي الوطني» إلى الاستقالة، وترتيبات الرئاسيات، تزامن الحدث مع حملة تغييرات كبرى تطاول كل مؤسسات الدولة، بدءاً بالجيش، الذي شهد أكبر حملة إقالات في السنوات الأخيرة، من خلال تنحية كبار الضباط المسيطرين على المناصب الحساسة، كالنواحي العسكرية وقيادة القوات البرية والجوية، إلى قيام الرئيس بأكبر حركة في سلك ولاة الجمهورية (المحافظين)، إذ أُعلن أول من أمس، تنحية 16 والياً، في انتظار امتداد الموجة إلى الحكومة، كما تتحدث تسريبات كثيرة، عن أن تعديلاً واسعاً سيطاولها قريباً.