مونترو | الرجل الواقف بين الجموع، في مدينة مونترو السويسرية، يحمل راية خضراء. لا كتابات عليها. حوله شبان وشابات يحملون أعلام سوريا وحزب الله وإيران وروسيا وفنزويلا، وصوراً للرئيس السوري بشار الأسد، وللأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. الراية الخضراء ليست سوى علم «الجماهيرية الليبية الاشتراكية الشعبية»، يقول الرجل التونسي، مضيفاً: «والدتي ليبية، وأنا مع معمّر، ومع الأسد، ضد الجرذان وعملاء الناتو.
هم أنفسهم من أسقطوا صدّام حسين ودمّروا العراق، أسقطوا معمّر ودمروا ليبيا، ويريدون إسقاط الأسد وتدمير سوريا». أتى إلى سويسرا من فرنسا المجاورة، ليؤكد موقفه السياسي، يقول. المتظاهرون هنا أتوا بدعوة من الاتحاد الوطني لطلبة سوريا. يريدون أن يُسمعوا صوتهم للمتفاوضين في مونترو. بينهم شاب أتى من هولندا، ويرفع أعلام حزب الله، رغم أن الحزب منظمة إرهابية في «الأراضي المنخفضة». أحدهم لا يكترث بذلك. يقول إنه سبق له أن خضع لتحقيق في هولندا على خلفية رفعه شعارات حزب الله. هو سوري، ولا يعنيه طلب الاتحاد عدم رفع أي علم غير العلم السوري، وحصر الشعارات بتلك «الوطنية». لكن الوضع ميدانياً خرج عن السيطرة. ثمة من كان يعاهد، بهتافاته، الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد على أن يحافظ على الرئيس بشار، وعلى ابنه حافظ!
لم يكن الحدث في تظاهر مؤيدي النظام السوري قرب مكان عقد المؤتمر، من دون ترخيص من السلطات السويسرية وحسب، بل إن بعض المشاركين كانوا حدثاً في حد ذاتهم. تونسيون جزائريون ولبنانيون رفعوا، إلى جانب سوريين، شعارات تطالب بإعادة انتخاب الأسد رئيساً لسوريا. رجل بلجيكي يحمل العلم الروسي رفع الشعار ذاته أيضاً. في بلاده، يرأس كريس رومان مؤسسة يعرّف عنها بأنها «جيوبوليتيك ثينك تانك»، اسمها «أورو-روس». وكما يبدو من العنوان، فإن رومان يعنى بالشؤون الأوروبية الروسية المشتركة. يقول إنه أتى إلى مونترو للتعبير عن دعمه للأسد، لـ«ثلاثة أسباب: أولاً، إن الأسد منتخب ديموقراطياً. ثانياً، لأنه يكافح الإرهاب والتطرف. ثالثاً، لأنه صديق لروسيا».
يقول رومان إن على العالم أن يمنح جائزة نوبل للسلام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. «فروسيا هي الأقرب إلى أوروبا، لا جغرافياً وحسب، بل من ناحية القيم. هي صديق لنا لا يعتدي على أحد، أما أميركا، فتشن الحروب، وهي الدولة الوحيدة التي اعتدت على الأراضي الأوروبية بعد الحرب العالمية من خلال مهاجمتها لصربيا. أميركا ليست صديقاً جيداً».
قرب رومان، يقف شاب يحمل علماً لبنانياً كبيراً. هو لبناني يعيش في سويسرا منذ عشرين عاماً. يصرّ على إعلام محدثه بأنه من منطقة الطريق الجديدة في بيروت. «أنا من آل الجندي. بيروتي. وأصلي من حمص». هو هنا لأنه «مع المقاومة. تربينا على حب جمال عبد الناصر، وأنا مع كل الممانعين والمقاومين. والمؤامرة في سوريا تستهدف المقاومة بالدرجة الأولى».
خطاب المقاومة والممانعة هذا لم يكن غريباً عن شوارع مونترو السويسرية. شعارات حزب البعث العربي صدحت: أمة عربية واحدة. بقي للسويسريين أن يحفظوا الجزء الآخر من الشعار (ذات رسالة خالدة). عوّض عليهم المتظاهرون بغناء النشيد الشهير: سوريا يا حبيبتي أعدتِ لي كرامتي أعدتِ لي هويتي...
بعض المشاركين، يقولون إنهم عانوا من تضييق السلطات السويسرية عليهم. «أوقفونا على الحدود لساعتين»، يقول طالب جامعي أتى من بلجيكا. وفي مونترو، احتكّ بعضهم بشبان معارضين، تجمعوا عند الجهة المقابلة للفندق حيث يجرى المؤتمر. حتى لازمة «هيدي الحرية يلي بدهن ياها» لم تغب عن مونترو. يرددها شاب يقول إن معارضين شتموه أثناء توجهه إلى مكان الاعتصام. يختم كلامه سريعاً، إذ ينشغل بمحادثة فتاة سورية شقراء، حضرت «متفرجة» كما تقول. هي تسكن في مونترو منذ سنوات، ولم تزر بلادها خلال السنوات الأخيرة. هي ليست بعيدة سياسياً عن المتظاهرين، لكنها الآن تتفرج. اصطحبت كلبها الشديد الصغر، بعدما ألبسته رداءً زهرياً. كان محطّ تندر عدد من المشاركين. لقبوه بـ«القاسي». لم «يحلّوا عنه» إلا لتكرار الشعار الذي جهد المنظمون لمنعه، لكن بلا طائل: «شبّيحة للأبد... لأجل عيونك يا أسد».