في انتظار معجزة (غير) حكوميّة

  • 0
  • ض
  • ض

لو قُدّر للتصريحات أن تصنَّف في خانة «العمل الحكومي» لعُدّ الشهران الأخيران أغنى مرحلة سورية في هذا الإطار منذ سنوات طويلة، لكنّ الكلام يظلّ كلاماً كما نعرف. الأنكى من ذلك، أنّ تصريحات المسؤولين الحكوميين (الاقتصاديين على وجه الخصوص) ربّما حطمت الأرقام القياسيّة في التضارب والتناقض. يأتي ذلك في ظل غياب أي خطوات اقتصاديّة تصبّ في مصلحة المواطن، ومماطلة في تنفيذ أي وعود بذرائع مختلفة. أضف إلى ذلك ما «تُبشّر» به بعض التصريحات من كوارث! مرّة يطالعنا تصريح لوزير المالية مفادُه أنّ «رواتب موظفي القطاع العام هي ثلث موازنة الدولة»، رغم أنها في موازنة عام 2018 خُصّصت بنصف ذلك فحسب. (هذا يعني خللاً في البيانات، أو تسريباً غير مقصود لتفاصيل يجب أن تكون سرية في حرب كالتي تمرّ بها البلاد). ومرة يدلي رئيس مجلس الوزراء بتصريح مفاده أنّ 15 مليار دولار من الاحتياطي النقدي قد أُنفِقَت في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وفقاً لـ«المكتب المركزي للإحصاء»، كان الاحتياطي السوري عام 2010 يقارب 20 مليار دولار، ومع الأخذ بالاعتبار أنّ حكومات كثيرة قد تتالت على البلاد في ظل الحرب قبل الحكومة الحالية، فهذا يعني أن المليارات الخمس الباقية قد تكون مُستهلكةً في وقت سابق! وإن استمرّ الأمر على منوال الإنفاق على مشاريع غير أساسيّة، وفي ظل انخفاض الاحتياطي بهذا الشكل، فالأمر يُنذر بما لا تُحمد عقباه. المفارقة المؤلمة تتجلّى في طبيعة كثير من «المشاريع» التي استهلكت أموال السوريين، وعدّتها الحكومة أهمّ من تجييرها لتحسين دخل المواطن، ولو في شكل منحٍ أو دعمٍ ما. «قطار المعرض» الشهير استلزم وفق بعض المصادر مليار ليرة سوريّة (20 مليون دولار باعتماد سعر صرف 500 ليرة!)، هذا من دون الإشارة إلى أكلاف المعرض الذي تحوّل إلى ما يشبه سوقاً شعبيّة (اقتصرت إنجازاته حتى الآن على عقود تصدير منتجات زراعيّة، وهو إنجاز مهم يُحسب لـ«اتحاد المصدِّرين»). ومن المنتظر أن يكلّف مشروع «الرغيف الصغير» بدوره 20 مليون دولار. أما تكلفة طباعة نقود جديدة فتُقدَّر بـ50 مليون دولار. السؤال الذي يفرض نفسه: هل كل هذه الإنفاقات ملحّة؟ ولماذا ينبغي للمواطن أن يهلّل لها وهو يتلقّى في الوقت نفسه صفعةً من قبيل «لا توجد موازنة لزيادة الرواتب»؟ من الطبيعي أن يحارب الانسان لينال الحدّ الأدنى من «هرم حاجات ماسلو»، أم أنّ المطلوب حكوميّاً فروض الطاعة، والتسلّح بالصبر فقط؟! لا يقتصر الأمر على قطاع الموظفين الحكوميين فحسب، ها هو القطاع الصناعي يعاني للحصول على دعم في أسعار الوقود وإمدادات الكهرباء وأسعارها، فلا يحظى إلا بشيء بسيط وبشق الأنفس، وبما لا يؤدي إلى خفض أسعار السلع لمنافسة التهريب والاستيراد العشوائي (لمصلحة من؟). على الورق، هناك الكثير من القوانين والتشريعات التي تتيح النهوض بالاقتصاد ليصبح «اقتصاد دولة ومؤسسات»، لا «اقتصاد أفراد»، فلماذا لا يفكّر أحد في تفعيل تلك التشريعات؟ وأيضاً لمصلحة من؟ في المقابل، هناك حرصٌ منقطع النظير على ابتكار الطرق والوسائل لجباية مزيد من الأموال من مختلف قطاعات الشعب! لقد أُديرت علاقات البلاد الماليّة مع الخارج بنجاح أثمر توازناً للدين العام مع شحّ الناتج القومي، هذا إنجاز فعلاً. لكن ما الإنجازات الاقتصادية الداخليّة؟ تثبيت سعر الصرف؛ إقامة معرض؟ خفض ساعات التقنين؟ هل هناك عقليّة واحدة تُدير الملفين الاقتصاديين الخارجي والداخلي؟ قطعاً لا! لقد بات الاقتصاد الداخلي يُدار بطريقة تشبه عمل «الجمعيّات المتعددة الأهداف»! ننتظر أن يُطرح مشروع، فندرسه، لنوافق أو لا نوافق، ثم نرى كيف سنموّله، ثم نرى كيف سنقدمه للناس! هذه ليست «إدارة اقتصاديّة»، ولا يمكن أن تعدّ كذلك في أي عرف اقتصادي. نحتاج خطة و«خريطة طريق» كالتي أتاحت للمؤسسة العسكرية تحرير معظم مساحات البلاد. نحتاج أداءً اقتصاديّاً داخليّاً يُشبه نظيره الخارجي. نحتاج خطط عمل لا سيول تصريحات. نحتاج معجزة بالفعل.

0 تعليق

التعليقات