شجّع الضجيج الغربي الواسع، في شأن هجوم كيميائي مفترض ولم يحدث بعد، تركيا على اتخاذ موقف متباين - أكثر من ذي قبل - مع موقفي شريكتيها في مسار «أستانا»، روسيا وإيران. إذ أصرّت أنقرة على طرحها وقف إطلاق النار في إدلب، على رغم رفض صيغته على الهواء مباشرة خلال «قمة طهران» الأخيرة، وبدا موقف مندوبها في الأمم المتحدة، فريدون سنيرلي أوغلو، حين تحدث أول من أمس في مجلس الأمن داعياً إلى وقف جميع العمليات العسكرية بدعم دولي، متساوقاً مع الضغط الأميركي - الأوروبي على نحو لافت.لم يترك المسؤولون الأتراك خلال الأسابيع الماضية فرصة لتذكير جيرانهم في أوروبا بأن انعكاسات أي موجة لجوء جديدة من إدلب - تحت ضغط المعارك - لن تقف عند تركيا، بما يرافقها من مخاطر كتسلل إرهابيين عبر الحدود. اللهجة التركية في التعاطي الدولي مع ملف إدلب قابلها دفعٌ بتعزيزات عسكرية كبيرة جداً إلى الحدود بين المحافظة السورية ولواء إسكندرون، بما سيمنع مستقبلاً أي حركة غير متفق عليها، سواء للمدنيين أو المسلحين نحو الأراضي التركية، كما سيتيح استهداف أي مواقع أو تشكيلات قد تراها أنقرة خطراً على أمنها القومي.
وخلال الأيام القليلة الماضية، لقي هذا التوجه التركي صدى واسعاً في العواصم الغربية، لكونه الرهان الأفضل للضغط على دمشق وحلفائها من جهة، ولإعادة تركيا إلى موقعها التاريخي عضواً في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) وحليفاً للولايات المتحدة، من جهة أخرى. فارتفعت حدة تحذيرات كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كما ألمانيا التي تعاني انقساماً سياسياً داخلياً حول احتمالات «التدخل العسكري» ضد الحكومة السورية في حال وقع هجوم كيميائي في إدلب. واستغل مندوبو تلك الدول جلسة مجلس الأمن الأخيرة لإظهار دعمهم خطوات تركيا وطريقة إدارتها ملف التفاوض مع كل من روسيا وإيران، في شأن وقف لإطلاق النار. وشددت السفيرة الأميركية، نيكي هايلي، على أن «كلّاً من روسيا وإيران ليستا جادتين في إنجاز العملية السياسية في سوريا». وهو ما يدلل على أن واشنطن وحلفاءها لن يوفّروا تطورات إدلب لاستغلالها لاحقاً على خط «اللجنة الدستورية» في جنيف، الذي شهد بدوره تطوراً لافتاً تمثّل بتوافق أولي على تشكيل لجنة مؤلفة من 45 شخصية تعمل على إعداد دستور جديد لسوريا، وهي مؤلفة من أعضاء ينتمون إلى الجانبين الحكومي والمعارض، بجانب ممثلين عن المجتمع المدني.
ذكّرت أنقرة الأوروبيين مراراً بأن أي أزمة لجوء جديدة ستصل بلدانهم


ووسط تصريحات عدة من برلين، تؤكد استعداد القوات الألمانية للتحرك و«الرد» على أي هجوم كيميائي «بما يتوافق مع الدستور والقانون الدولي» وبعد موافقة البرلمان، بحث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، تطورات ملف إدلب، عبر الهاتف أمس، مع كل من نظيريه: الأميركي، مايك بومبيو، والألماني، هايكو ماس، بالتوازي مع اتصال جمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ونظيرته الفرنسية، فلورنس بارلي، لنقاش الملف نفسه.
التنسيق عالي المستوى بين أنقرة وحلفائها في «الأطلسي» يطرح أسئلة حول حجم الدعم المفترض الذي يمكن أن تقدمه تلك الدول إلى أنقرة، في حال فشلت جهودها الساعية إلى ضبط إيقاع المعارك في إدلب ومحيطها. في هذا الشأن، رأى خبير الشرق الأوسط في جامعة «ليون الثانية» فابريس بالانش، أن «احتجاجات الدول الغربية والأمم المتحدة ليس لها أي تأثير لأن دمشق وروسيا وإيران تريد الانتهاء من جيب إدلب»، مضيفاً أن «ثمة الكثير من الضجيج من جانب الغربيين للتعبير عن استيائهم حيال انتصار النظام والروس المتوقع... لكنهم لن يفعلوا شيئاً». ورأى بالانش، في حديث نقلته وكالة «فرانس برس»، أن «الأمل الوحيد للغربيين هو أن تغيّر تركيا تحالفاتها، أن تتقرب منهم... كل السياسة الإقليمية على المحك في هذه القضية». كما نقلت الوكالة عن أحد الديبلوماسيين الأوروبيين المطلعين على الملف السوري، قوله في هذا الشأن: «لا يمكن أن نشكل ثقلاً عسكرياً عبر أسلحة كلاشينكوف أو طائرات. لن نخوض غمار الحرب (في إدلب)! وسائِلُنا هي أولاً الضغط السياسي».