«الدعوة» خارج الحكم. هذا ما تؤكّده مصادر مطلعة في حديثها إلى «الأخبار»، جازمة بأن رئاسة الوزراء خرجت من قبضة الحزب المهيمن على مفاصل الحكم منذ 2005. جملةٌ من الأسباب قادت إلى هذه النتيجة، ليس آخرها الحراك المندِّد بسوء الواقع المعيشي، ودخول الأميركيين - وأدواتهم - على خطّ الأزمة، مع ما أنتجه ذلك من محاولة لإضرام نيران سياسية أريد أن يمتدّ لظاها حتى العاصمة بغداد.
قبل لقائه بمقتدى الصدر، التقى هادي العامري ببريت ماكغورك ودوغلاس سيليمان (أرشيف)

النصائح الداعية إلى توحّد أجنحة «الدعوة» لم تلقَ آذاناً صاغية لدى المتصارعين أنفسهم، الذين فضّلوا الإبقاء على خلافات أخرجت الحكم من قبضتهم، ليستقرّ في المرحلة المقبلة على وجه جديد سيكون صنيعة تحالف مقتدى الصدر - هادي العامري، الذي ولد لحاجة ماسّة، قوامها رفض التدخل الأميركي في العراق، وتقويض أي «دور حاكم» لواشنطن في «عاصمة الرشيد».
قبل أيام، التقى المبعوث الأميركي لـ«التحالف الدولي» بريت ماكغورك، والسفير الأميركي في العراق دوغلاس ألن سيليمان، بزعيم تحالف «الفتح» هادي العامري. لقاءٌ كان بعيداً عن الأضواء، اعترف فيه الأميركيون - بطريقةٍ مبطّنة - بعجزهم عن إحداث خرق في الساحة العراقية عموماً، و«الشيعية» خصوصاً، حيث لطهران «اليد الطولى». أكد الأميركيون أنهم «في غنىً عن أي مشاكل جديدة مع طهران في الساحة العراقية»، مشددين على ضرورة «البحث عن حل وتسوية للأزمة السياسية القائمة في العراق بين واشنطن وطهران».
جاء الاعتراف/ العرض الأميركي بعدما فَشِل الأميركيون وحلفاؤهم السعوديون في إشعال الشارع الجنوبي الغاضب في الأيام الماضية. «فتنة البصرة» كادت تحرق العراق لولا «ضبط النفس» الذي مارسته القوى المتحالفة مع إيران، والتي استُهدفت مقارّها في المدينة الجنوبية من قِبل المندسين العاملين بأجندة القنصلية الأميركية جنوبي البلاد، وفق معلومات «الأخبار». «فتنةٌ» دخل على خطّها رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، حيث أراد الاستثمار فيها للحفاظ على موقعه لولاية ثانية. فشل الأميركيون والسعوديون في ذلك، وفشل العبادي أيضاً.
كان واضحاً لدى العامري ما جرى في الأيام الماضية في عاصمة البلاد الاقتصادية. واجه الوفد الأميركي بذلك، مُستعرِضاً «معلومات» عن الحراك الأميركي «التخريبي»، والساعي إلى إضعاف النفوذ الإيراني في «بلاد الرافدين» من بوابة الشارع العراقي المُطالِب بـ«تغيير الطبقة السياسية الحاكمة». أبدى العامري موقفاً صلباً تجاه الوفد الأميركي، ليس من موقعه الرافض - وبشكلٍ قطعي - لما جرى في البصرة، بل «ترجمةً» لمناخ النجف (مقر الحوزة الدينية) «المستاء من التدخل الخشن للأميركيين والسعوديين في الشأن العراقي أخيراً». تذهب مصادر متابعة للحراك الأميركي إلى القول إن الأميركيين والسعوديين تماهوا حدّ التطابق في التعاطي مع الملف العراقي: «ماكغورك يتصرف كسعودي بثياب أميركية، وأميركي بعقلية سعودية، على قاعدة ترهيب سياسيين ونواب عراقيين بالإقصاء والإدراج على لوائح الإرهاب، وترغيبهم بالمال والمناصب، لدفعهم بعيداً عن التحالف مع «الفتح»». نفى ماكغورك - سيليمان اتهامات العامري لواشنطن بتهديد ساسة عراقيين، على اعتبار أن أيّ كلام مماثل ليس إلا «افتراءات تهدف إلى تشويه دور الولايات المتحدة في العراق، والنيل من سمعتها وصورتها».

اتفاق الصدر ــ العامري
لقاء العامري بالوفد الأميركي سبق اجتماعاً لكتلة «الفتح» وحلفائها، تقرر خلاله إيفاد العامري للقاء زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر، الرافض لأيّ تحالف برعاية أجنبية مشبوهة. في مقرّ إقامته في الحنانة، استقبل الصدر العامري أمس. زعيما أكبر كتلتين نيابيتين (سائرون: 54 نائباً __ الفتح: 48 نائباً) توصّلا إلى رؤية مشتركة من شأنها صياغة حلول للعقد السياسية القائمة. ثمّة أُسس سهّلت عملية لقاء القطبين النيابيين، ومن ثم رسم خريطة طريقٍ للحلول المعقودة عليها آمال الخروج من الأزمة الراهنة، وفق الآتي:
- أوّلاً، موقف الصدر الرافض لأي تحالف يحظى بدعم وغطاء أجنبي، وتحديداً أميركياً، من جهة، وتمسّكه بأن يكون الحل «صناعة وطنية» من جهة أخرى.
- ثانياً، موقف طهران وحلفائها الداعي إلى إنهاء القطيعة مع مقتدى الصدر، والعودة إلى الانفتاح المتبادل، والبدء بحوار من شأنه توحيد الرؤى حول خريطة طريق سياسية عمادها رفض أي تدخّل خارجي في شؤون البلاد.
- ثالثاً، موقف الصدر - العامري الرافض للتجديد لحيدر العبادي من جهة، ولـ«حزب الدعوة الإسلامية» من جهة أخرى.
بناءً على تلك الأسس، انطلق الحوار. اتفق الجانبان في بادئ الأمر على أنه «ما من كتلة أكبر». وعليه، فإن الحديث عن «كسر أي كيانٍ سياسي لمصلحة آخر قد انتفى»، بل إن المرحلة تتطلّب البحث عن شخص توافقي يتولّى منصب رئاسة الوزراء، ترضى به القوى المختلفة، ويحظى بقبول المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني).
اعترف الأميركيون بعجزهم عن إحداث خرق في الساحة العراقية عموماً، و«الشيعية» خصوصاً


هنا تبرز الأسماء الأكثر تداولاً للظفر بمنصب رئيس الوزراء المقبل:
1-هادي العامري/ «الفتح»، حسم خياره بعدم الترشح للمنصب، مُفضِّلاً «صناعة الملك» على أن يكون «ملكاً».
2-نوري المالكي/ «الدعوة»، حسم خياره بعدم الترشّح، لكونه فاقداً للإجماع الداخلي - الإقليمي - الدولي.
3-حيدر العبادي/ «الدعوة»، بات خارج المنافسة، مع رفض الصدر - العامري التمديد له، فضلاً عن فيتو المرجيعة الدينية عليه.
4-طارق نجم/ «الدعوة»، لا يحظى بدعم أيٍّ من القوى السياسية الرئيسية.
5-فالح الفياض/ «الدعوة»، اعترض على هذا الخيار كل من الصدر وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم.
6-عادل عبد المهدي/ «المجلس الأعلى» (سابقاً)، طُرح اسمه كخيار تسوية سابقاً، ويُعاد طرحه اليوم، في مؤشر على أن محادثات التوافق على رئيس الوزراء المقبل قد عادت إلى المربع الأول، خاصة أن عبد المهدي كان من أول الأسماء «التوافقية» المطروحة قبيل إجراء الانتخابات النيابية في أيار/ مايو الماضي.
فعلياً، انحسر التداول بين الفياض وعبد المهدي. الأول يفتقد لتأييد الصدر - الحكيم، ومصيره مرهون بالاتصالات الجارية لتذليل عقبات تولّيه المنصب، فيما الثاني خيار جاهز يحتاج إلى النضج داخلياً، ومن ثم إقليمياً ودولياً، في وقت تؤكّد فيه مصادر «الأخبار» أن التواصل قائم بين مختلف القوى للبحث عن خيارات مرشحين توافقيين آخرين، أسماؤهم «قيد الدرس»، وقد يكون الرئيس المقبل واحداً منهم، علماً أن التجارب الماضية تثبت أن رئيس الوزراء عادةً ما يكون وليد ربع الساعة الأخير.
وبالعودة إلى اتفاق الصدر ــ العامري، فقد شكّل الجانبان لجنة تضمّ 4 مندوبين عن «الإصلاح والإعمار»، و4 مندوبين عن «الفتح»، مهمتها وضع مسوّدة أولية للتركيبة الحكومية المقبلة، وتحديد مواصفات الرئيس المقبل، على أن تختار لاحقاً اسماً توافقياً يُعلَن في اجتماع مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم. وأما الحديث عن انتخاب رئيس البرلمان المقبل، فقد فضّل الطرفان أن يؤيدا من يحظى بدعم العدد الأكبر من النواب السنّة، حتى لا يدخل هذا المنصب في البازار السياسي، وتسهيلاً لعملية اختياره، ومحاولةً لحصر النقاش حوله في أصغر دائرة ممكنة من القوى والكيانات السياسية.

«الدعوة»: هل يقلب الطاولة؟
أمام هذا المشهد، بات حزب «الدعوة» خارج الحكم. صحيح أنه الحزب الحاكم منذ عام 2005، إلا أنه يفتقر إلى قاعدة شعبية واضحة المعالم والبنية. خروجه من الحكم يعني اندثاره شيئاً فشيئاً. قادته الراغبون في البقاء في المشهد السياسي سيبحثون عن كيانات أخرى للاندماج فيها، أو تأسيس كيانات جديدة ستولد «عاجزة» لافتقادهم أي حاضنة شعبية. «الدعويون» سمعوا قبيل إجراء الانتخابات التشريعية نصائح عدّة تدعوهم إلى التوحّد، حتى لا يخسروا الحكم إلى الأبد. صُمّت آذان الجناحين المتصارعين بقيادة الأمين العام للحزب نوري المالكي، ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي. زاد الشرخ بينهما، وتعزّز بتحالفات أفضت إلى إقصائهما. لكن تبقى ثمة سيناريوات أخرى قائمة على معطيَين: أولهما حنكة قادة الحزب الحاكم، وقدرتهم على قلب الطاولة مجدداً، وثانيهما قناعة بأن «الدعوة» لن يقبل بأي تنازل عن الحكم من شأنه القضاء عليه. خيارات عدة أمام «شورى الدعوة» لتجنّب إطاحة تاريخية:
-أوّلاً، توحّد الأجنحة المتناحرة، والبحث عن خيار يحظى بقبول الأطراف الأخرى.
-ثانياً، محاولة إقناع الجهات المؤثرة في الملف العراقي بمشروع سياسي واضح المعالم، يرضي بقية المكونات و«المرجعية» فضلاً عن الشارع.
-ثالثاً، تقديم العبادي للمساءلة التنظيمية، على خلفية أدائه السياسي، وارتداد ذلك على تموضع الحزب في المشهد العراقي، عدا عن حزمة من الفضائح المالية المتعلقة بهدر المال العام بهدف بناء العلاقات وتلميع الصورة.



«الاتحاد الوطني»: رئاسة الجمهورية لنا


أكّد «الاتحاد الوطني الكردستاني» أن منصب محافظ كركوك «حق من حقوقه»، مُلوِّحاً بحدوث تطورات جديدة في كركوك خلال الأيام المقبلة. وأشار المتحدث باسم «الاتحاد»، سعدي أحمد بيره، أمس، إلى أن «منصب رئيس الجمهورية محسوم إلى الحزب بكل تأكيد»، مشدّداً في الوقت عينه على أن «الاتحاد الوطني حصد 6 مقاعد في الانتخابات التشريعية في كركوك، والأحق بمنصب المحافظ هناك». وأشار إلى أن «الحزب الديموقراطي الكردستاني سيعود إلى كركوك»، مضيفاً أن «هذه المسائل ستحسم خلال الأيام المقبلة».
وعن «الكتلة الأكبر»، أوضح أن «الأكراد يدعمون الطرف الذي يضم جميع العراقيين، ويدعم مشاركة جميع القوى بالعملية السياسية»، لافتاً إلى أن «رئيس تيار الحكمة، عمار الحكيم، اقترح تشكيل كتلة تضم كلّاً من تحالف سائرون، والحكمة، والوطنية، والاتحاد الوطني، والحزب الديموقراطي، على أن يتم الاتفاق مع النصر ودولة القانون للانضمام، حيث يُتَّفَق بعدها على مرشح لتسلّم منصب رئيس الوزراء»، خاتماً بالقول إن «الولايات المتحدة تؤيّد أن تكون هذه الأطراف هي القوى الرئيسية ضمن كتلة وتحالف واحد».