استمرار الرهان على إخضاع اليمن وقيادته السياسية ينمّ عن جهل بطبيعة المعركة
تجدّد معركة الحديدة دليل على أن «التحالف» بات لا يملك خيارات، وهو يفعّل خيارات سابقة على رغم فشله المدوّي فيها. واضطراره للتصعيد هو محاولة للخروج من الجمود، وهروب من تهمة عبثية الاستمرار في الحرب على رغم التكلفة المعنوية والمادية الباهظة. وتُظهر تصريحات قرقاش حراجة الموقف الخليجي، والشعور بالضيق نتيجة الإخفاق الميداني وانسداد الأفق السياسي، حدّ تعليق الآمال على أي خرق عسكري ولو محدود، رغم أن الحرب سجال وكرّ وفرّ، وتتقلّب نتائجها بين ساعة وأخرى. وتندرح تصريحات قرقاش، أيضاً، في سياق يحكم النمط المتعجّل في إدارة المعركة. والحقيقة أن الاستعجال في الترويج لخروقات ليست ذات قيمة فعلية على أنها انتصارات كبيرة، يكشف عن جهل هؤلاء الأمراء والمسؤولين بطبيعة الشعب اليمني، وقيادته التي أحسنت إدارة ملحمة الصمود العسكري والسياسي والاجتماعي في وجه تحالف تُعتبر دوله من أغنى دول العالم، بالاستفادة من موارد القوة وردم مواضع الضعف لديه. واستطاعت أيضاً إدارة البلد بالحدّ الممكن، في ظروف اقتصادية وسياسية صعبة للغاية، وفي ظلّ حصار محكم يمنع وصول العون، بما فيه المساعدات الإنسانية، من الدول الصديقة أو الحليفة إلى اليمن، وهذا ما أكدته التقارير الدولية وآخرها تقرير خبراء الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان نهاية الشهر الفائت.
كذلك، استمرار الرهان على إخضاع اليمن وقيادته السياسية، وجلبها إلى المفاوضات بالشروط الخليجية من خلال إحداث خروقات عسكرية في الجغرافية اليمنية، ينمّ أيضاً عن جهل بطبيعة المعركة، وعجز عن فهم الحقائق التاريخية التي تؤكد أن اليمن عصيّ على السقوط مهما تكاثرت عليه الجيوش، ولن تكون حشود الخليج من الجيوش المستأجرة وما توافر لها من إمكانات استثناءً. وبغض النظر عما إذا حصل خرق في مثلث الكيلو 16 جنوب شرقي مدينة الحديدة، وسيطرت عليه القوات الغازية، أم لم يحصل، بل لو حصل وتوسّع الخرق إلى أبعد من ذلك، فإنه لن يغيّر شيئاً في المعادلة السياسية، وسيطول انتظار الأمراء والمسؤولين الخليجيين كثيراً. وإذا كان موقفهم «ثابتاً»، كما ختم أنور قرقاش تغريدته، من أن «التغيير في الحسابات ضروري لحل سياسي ناجح في اليمن»، فإن موقف اليمن عادل وشجاع، وشرعي بالمفهوم الإنساني والقِيَمي، وهو أكثر ثباتاً ورسوخاً بالاستناد إلى التضحيات العظيمة لرجاله ونسائه وأطفاله، ولم يعد بمقدور أحد التنازل عن هذه الحقوق مهما تعاظمت التضحيات.