أكثر رئيس وزراء ما يسمى «الشرعية»، أحمد عبيد بن دغر، من إطلالاته الإعلامية خلال اليومين الماضيين، في أعقاب اندلاع الهبّة الشعبية التي يشهدها جنوب اليمن. إطلالات لم يعرض فيها بن دغر خطط حكومته لمعالجة الأزمة الاقتصادية، أو الحدّ من انهيار العملة الوطنية، أو تلبية مطالب مواطنيه وتحسين ظروف معيشتهم ـــ علماً بأن هذه ملفات لا يملك الرجل القدرة أو حتى الإذن من قِبَل التحالف بمقاربتها ـــ، بل استهدف فقط الاعتذار عما اعتبره فريقه «إساءة بعض الأصوات النشاز» للمملكة السعودية، خلال التحركات الشعبية العفوية التي اندلعت في الجنوب احتجاجاً على تردّي الوضع الاقتصادي، والتي أُحرقت فيها صور زعماء السعودية والإمارات، وأُطلقت شعارات تدعو «التحالف» إلى الرحيل.من جهته، «المجلس الانتقالي الجنوبي»، التابع لدولة الإمارات، لم يكن أفضل حالاً من حكومة «الشرعية»، فأَكْثر من المدح والثناء على «التحالف»، في مواجهة المتظاهرين المطالبين بالحياة الكريمة، مُحاوِلاً إحياء مظاهر بداية العدوان، من خلال حملة «سلمان العزم وإمارات الخير». إلا أن تلك المحاولات لم تعد تنطلي حتى على البسطاء من العامة، الذين ردّوا عليها بإحراق المزيد من أعلام الإمارات وصور قادة «التحالف».
في بداية ما سُمّي «التحرير»، أراد المواطنون تأمين متطلّبات الحياة العادية، من قبيل الكهرباء والماء والصرف الصحي. مطالب قدّمت قيادة «التحالف» بشأنها الكثير من الوعود والمواعيد طيلة ثلاث سنوات، من دون أن يتحقّق من ذلك شيء، لينتهي الأمر بأبناء المحافظات الجنوبية، المُسمّاة في القاموس الخليجي «مناطق مُحرّرة»، مقيّدين، معطّلة مرافقهم الحيوية، وفاقدي القدرة على الحركة أو حتى العيش بكرامة في أرضهم.
ثلاث سنوات من الوعود والمواعيد لم يتحقّق منها شيء


كلّها تراكمات كانت السبب في اندلاع الهبّة الشعبية هذه الأيام. وهي انتفاضة تظهر وعي القوى الوطنية الجنوبية، وحتى المواطنين العاديين، بأن التجويع إنما هو سياسة ممنهجة لدى دول «التحالف»، وأن الخليج المحارِب يتعمّد إبقاء مرافق الجنوب على حالها من الخراب، لاعتقاده بأن إصلاحها سيليه نهوض على المستويات كافة، وتعامل من موقع الندية، وهو ما لا ترضاه العقلية الخليجية (آل سعود وآل زايد)، المتأصّل فيها اعتبار اليمن (بشماله وجنوبه) تابعاً.
عدد من الناشطين الجنوبيين (من المحسوبين على «التحالف») وجّهوا منذ عدة شهور نداءات ونصائح إلى دول «التحالف»، بضرورة التدخل قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة، من دون أن تلقى تلك النصائح أي استجابة. غير أنه غاب عن هؤلاء الناشطين أن السياسة الخليجية المتبعة هي منع وصول البلد إلى المربع الأخير، أي الحقوق السياسية وتقرير المصير والندية في العلاقات، وذلك من خلال خطّته القاضية بتعمّد البقاء في المربع الأول، أي انتهاج سياسة التجويع والأمعاء الخاوية، ليصبح همّ المواطنين (أكثريتهم جياع) تأمين قوت يومهم، وفي حالات كثيرة تأمين وجبة واحدة من الطعام في اليوم. وبدلاً من أن يتحوّل الصراع على مستقبل الجنوب، وتقرير مصيره وهويته السياسية، عليه أن يصارع من أجل البقاء وطلب العيش فقط، فيما هم (الخليجيون) يستغلّون موقعه وثرواته ومرافقه.
إلى اليوم، ورغم مرور أسبوع على بدء الاحتجاجات، لم يصدر عن «التحالف» أي موقف رسمي، في استخفاف ولا مبالاة بقيمة المواطن الجنوبي وكرامته، باستثناء التصريح اليتيم الصادر عن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي اتهم «الإصلاح» بالتسبّب في الأحداث الأخيرة، والإساءة إلى دول «التحالف». وفي موازاة ذلك، يعمل كل من «الشرعية» و«المجلس الانتقالي» (رغم اختلافهما في معظم القضايا) على احتواء المتظاهرين كلّ وفق حساباته، أو على الأقلّ حرف مسار تحركهم بما يجنّب الطرفين الحرج مع دول «التحالف»، ليسجّلا بذلك مضبطة اتهام في ما آلت إليه البلاد بحق مجهول.