في ظل تزايد شرارة الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة عبد ربه منصور هادي وداعميه السعوديين، لليوم الرابع على التوالي، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية جراء ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية، وجد «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً نفسه، أمام فرصة لتوجيه ضربة إلى «الشرعية»، على خلفية استثنائه من المشاورات المزمع عقدها اليوم في جنيف، بحسب ما أبلغت الأمم المتحدة وسائل الإعلام اليمنية أمس.وفي توسع لرقعة الاحتجاجات في محافظات اليمن، خرج اليمنيون أمس، بشعارات مناوئة لحكومة هادي و«التحالف». في كريتر، في محافظة عدن، احتشدوا وسط المدينة وفي ساحة البنوك، وألقيت كلمات خطابية ندّدت بأداء حكومة هادي. وشهدت مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، تظاهرتين، إحداهما لـ«المجلس الانتقالي» والأخرى لـ«الحراك الجنوبي»، ضد حكومة هادي. وأيضاً في منطقة الفيوش في محافظة لحج، انطلقت احتجاجات حاشدة كانت الأولى منذ انطلاق ما سميت بـ«ثورة الجياع» أخيراً، فأغلق المتظاهرون الغاضبون الطرق الرئيسية بإطارات حارقة، وأوقفوا حركة السير، وليس انتهاءً بمدينة القطن في وادي حضرموت، حيث نفذ المتظاهرون عصياناً مدنياً تاماً، شُلت معه حركة السيارات وأغلقت المحلات التجارية.
ما يحصل على الأرض من احتجاجات، هو أكثر ما كانت تخشاه السعودية والإمارات طوال السنوات الماضية، لما له من تأثير على مسار المعركة مع حركة «أنصار الله»، وانعكاسه السلبي على العلاقة بين قوى «التحالف»، إذ يبدو أن «الانتقالي»، قرر الرد على استثنائه من «جنيف 3»، من خلال طريقين، سياسي وعسكري، الأول تمثل بالمشاركة في الاحتجاجات الغاضبة ورفع شعارات مناوئة لحكومة هادي، على رغم أن أبو ظبي تتهم حزب «التجمع اليمني للإصلاح» (الإخوان المسلمين) بالوقوف خلفها، كما قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، في تغريدة على حسابه في «تويتر». والثاني، تمثل بالبدء بما كانت تمهد له منذ شهر، في إشعال معارك في الحديدة من جديد، مع بدء المشاورات، إذ شنت القوات الموالية للإمارات، فجر أمس، هجوماً عنيفاً في محيط مطار الحديدة، بمشاركة طيران «الأباتشي»، من الجهة الجنوبية الغربية، في محاولة للتأكيد للقوى الإقليمية والدولية المعنية بأن «الشرعية» ليست هي الممسكة بالأرض. لكن قوات حكومة «الإنقاذ» أفشلت الهجوم، تماماً كما فعلت في الهجوم السابق على مطار المدينة، من خلال فرض الحصار في مناطق عدة على الخط الساحلي وقطع طرق الإمداد.
الاحتجاجات المتزايدة، والخلاف في شأن المشاورات، بين ثنائي «التحالف»، السعودية والإمارات، دفع الرياض إلى العودة إلى المربع الأول، وعرقلة محادثات السلام في جنيف، من خلال عدم منح ترخيص لتسيير طائرة عمانية للوفد التابع لحكومة «الإنقاذ» في صنعاء، ومنعه من الوصول إلى جنيف، لأن من شأن عقد أي مشاورات، مزيد من التحول في المزاج الشعبي، خصوصاً في الجنوب، ضد حكومة هادي و«التحالف»، على رغم أن السعودية تكون بذلك، قد أسقطت ذريعة استخدمتها في جميع المشاورات السابقة، بأن «أنصار الله» ترفض الحوار، لكن الذريعة تبدو بصياغة أخرى هذه المرة في حديث رئيس وفد هادي، خالد اليماني، مساء أمس، بأنه لن ينتظر وفد «أنصار الله» إلى الأبد، مهدداً بالانسحاب.
لا تبدو فرصة المشاورات الحالية إذا عقدت، قوية، فهي لا تختلف عن سابقاتها سوى بتقديم الشق الإنساني في سلم الأولويات، مدفوعاً بانتقادات متزايدة لدول «التحالف» جراء المجازر المتكررة، لا سيما الأخيرة في سوق ضحيان في صعدة (الوحيدة التي اعترف بها). لكن الشقين العسكري والأمني أو السياسي، لا يزالان معلقين على ما وقفت عليهما المشاورات السابقة، بل بات الشقان الأخيران أكثر تعقيداً مما سبق، في ضوء خلاف إماراتي سعودي حول تحديد نائب الرئيس ورئيس الوزراء. وعلى رغم أن الحديث عن تشكيل حكومة ما بعد الحل يُعد سابقاً لأوانه، لكنه أحد أسباب عدم رغبة الرياض وأبو ظبي في الذهاب إلى طاولة الحوار، خصوصاً أن «أنصار الله» و«المؤتمر العام» وافقا في المشاورات السابقة على الشق السياسي الذي يتضمن بقاء هادي رئيساً شرفياً لفترة محدودة، ونقل صلاحياته لنائب له يتم التوافق عليه، وتشكيل حكومة جديدة من كل الأطراف، على أن يتضمن انسحاب «أنصار الله» و«المؤتمر» من صنعاء ومحافظتي الحديدة وتعز، وتسليم السلاح.