وتقوم الجزائر حالياً بإنشاء طريق ـــ في آخر مراحل الإنجاز حالياً ـــ يربط الشمال بالجنوب، وهو يدخل في إطار الأجندة التي رسمها الاتحاد الأفريقي لعام 2063. كما يجري بناء خط أنابيب للغاز الطبيعي يصل بين الجزائر والعاصمة النيجيرية لاغوس، فضلاً عن مشروع الربط بالألياف البصرية بين الجزائر والنيجر ومالي ونيجيريا وتشاد. هذه الاستثمارات، التي تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات، استطاعت الجزائر الانطلاق بها، بسبب الوفرة المالية التي تحققت لها بين عامي 2003 و2014، جراء ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية.
يرجّح خبراء أن احتياطي العملات الأجنبية الحالي لن يصمد أكثر من 3 سنوات
غير أن الجزائر اليوم تعاني من أزمة مالية انعكست ركوداً على أداء اقتصادها المبني أساساً على تحفيز النمو عبر المشاريع العمومية واستثمارات البنية التحتية. وخسرت الجزائر بين عامي 2014 و2018، حوالى ثلثي مداخيلها من العملات الصعبة، بفعل انهيار أسعار النفط. وكانت الجزائر تصدر ما قيمته 80 مليار دولار في سنوات انتعاش أسعار النفط، قبل أن تنخفض الحصيلة إلى أقل من 35 مليار دولار عند بداية الأزمة في عام 2014، علماً بأن المحروقات تشكل 98 في المئة من الصادرات الجزائرية. وتسبّب هذا الوضع في انهيار احتياطي العملة الصعبة الذي كان في حدود 200 مليار دولار في عام 2014، ليصبح اليوم أقل من 100 مليار دولار، ويرجّح أن يصل، وفق توقعات الموازنة العامة لعام 2019، إلى 40 مليار دولار بحلول 2021.
وقد أدى هذا الواقع إلى هرولة السلطات إلى اعتماد سياسات تقشفية من خلال تطبيق نظام جديد يقيّد الاستيراد ويخفض الإنفاق على البنى التحتية، وذلك لوقف نزيف العملة الصعبة، التي يرجّح خبراء أنها لن تكفي الجزائر لما يزيد على 3 سنوات على أقصى تقدير. وقد تضطر البلاد بعد ذلك إلى اللجوء إلى الاستدانة من الخارج، لتأمين حاجاتها الأساسية. كذلك اعتمدت الحكومة، لمواجهة ضعف مواردها من الجباية المحلية، على إجراء مثير للجدل، يتمثل في طبع كميات هائلة من العملة الوطنية (الدينار)، تصل قيمتها إلى ما يعادل 20 مليار دولار سنوياً، وذلك من أجل تسديد الأجور وديون المؤسسات العامة، وهو ما قد يسبب آثاراً تضخمية كبيرة، وفق رؤية البنك العالمي وبعض الخبراء.
وتبدو الحكومة واعية لحقيقة أن الإجراءات الظرفية لا يمكنها أن تحل الأزمة التي ستتكرر كلما انخفضت أسعار النفط. لذلك، أطلقت على عجل خطة لتنويع الاقتصاد منذ عام 2014، وعمدت أيضاً إلى تعديل قانون الاستثمار لاستقطاب الرساميل الأجنبية. غير أن ثمار هذه السياسة ما زالت حتى الآن شحيحة؛ فالصادرات الجزائرية خارج المحروقات لا تزال ضعيفة لا تتجاوز مبلغ مليار دولار. وهذا ما قد يضعف من حظوظ الجزائر في الاستفادة من المشروع الصيني، إذ يُخشى من تعميق فجوة الميزان التجاري مع الصين بسبب عجزها عن التصدير والاستفادة من مزايا مشروع «طريق الحرير».
ويقول الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي، إن «طريق الحرير مشروع مهم، لكن ينبغي الاستعداد له جيداً حتى لا يصبح طريقاً للشوك في الجزائر». ويوضح في حديث إلى «الأخبار»، أن «المطلوب من الحكومة الجزائرية، حتى تستفيد من المشروع، إعداد منظومة قانونية واضحة وشفافة لا يجري تغييرها بحسب المصالح الضيقة»، كما يجب «رفع قاعدة الأفضلية الوطنية في المشاريع (كل مستثمر أجنبي يجب أن يجد شريكاً جزائرياً يأخذ حصة 51 في المئة من المشروع)»، مع ترك حرية رؤوس الأموال وتحرير الاستثمار من البيروقراطية القاتلة. ويشرح أنه «في الظروف الحالية، قد تكون استفادة المغرب من المشروع أكبر من الجزائر، لأنه مضى في الإصلاح منذ سنوات واستقطب العديد من المشاريع الدولية الجادة».