لم تكد تهدأ الزوبعة التي أثارها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بإعلانه أن بلاده ستلتزم بالعقوبات الأميركية على إيران، حتى أثيرت زوبعة جديدة على خلفية قرار اتُخذ أول من أمس، خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، بالاستمرار في تجميد عمل «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات»، رغم أن العدّ والفرز اليدوي أظهر تطابقاً شبه كامل في النتائج مع العدّ والفرز الإلكتروني. اللافت أن مَن استنفرهم القرار المُوجَّه ضد «المفوضية» هم المصطفّون في المعسكر المناوئ لمعسكر العبادي، وفي مقدمهم رئيس «تحالف الفتح» هادي العامري، ورئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي. استنفار يشي بأن لدى هؤلاء استعداداً لفتح المزيد من المعارك مع العبادي (بعد معركتَي العقوبات على إيران، وقرار رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس سحب قطعات «الحشد» من المدن الرئيسة في المحافظات الشمالية والغربية)، وبالتالي اطمئناناً إلى أنه لا تزال بأيديهم القدرة على توجيه بوصلة «الكتلة الأكبر»، ومن ثم رئاسة الحكومة، لمصلحتهم.ولم تكد تمرّ ساعات على إصدار مجلس الوزراء قراراً بـ«إيقاف عمل أعضاء مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لحين الانتهاء من التحقيق بجرائم التزوير»، حتى حطّ كل من العامري، والأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، في مبنى «المفوضية»، حيث أعلنا تضامنهما مع أعضاء مجلسها، ورفضا قرار العبادي بحقّهم. ورأى العامري أنه «كان من المفترض أن يُقدّم الاعتذار لهذه المفوضية، وبالأخص بعدما اطلعت اللجنة القضائية على نتائج العد والفرز اليدوي، والتي أظهرت تطابقاً كبيراً جداً»، في حين وصف الخزعلي قرار الحكومة بأنه «غير شرعي ولا قيمة له»، معتبراً إياه «لعباً بالنار»، ومشدداً على ضرورة «عدم المساس بأعضاء المفوضية أو بعملهم». وفي الاتجاه نفسه، حذر المالكي، خلال استقباله أعضاء مجلس «المفوضية»، من أن «استمرار إيقاف عمل المفوضية يُعدّ مخالفة للقانون، ويعرّض العملية السياسية لخلل خطير»، داعياً إلى «عدم التدخل في شؤون المفوضية، والالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات».
رفض العامري والمالكي قرار العبادي استمرار تجميد عمل «المفوضية»


مبادرة العبادي إلى قرار من هذا النوع، قُرئ في أوساط قانونية على أنه «مخالف للدستور» كونه يُعدّ تدخلاً في صلاحيات مجلس النواب (ورأى فيه مراقبون خطوة إضافية من قِبل الرجل على طريق تعزيز «أهليّته» لولاية ثانية)، وتصدّر المالكي والعامري صفوف المدافعين عن «المفوضية» في المقابل، ينبئان بأن القوى المتنافسة لا تزال تجد متسعاً من الوقت لممارسة تكتيكاتها، رغم أن رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، حدّد الثالث من أيلول/ سبتمبر المقبل موعداً لانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان. مردّ ذلك على ما يبدو إلى احتمال لجوء القوى السياسية إلى منع اكتمال نصاب الجلسة المنتظرة، في حال عدم تمكّنها من إخراج الكتلة النيابية الأكبر إلى دائرة الضوء قبيل ذلك الموعد، علماً بأن لا نصّ قانونياً يحول دون اللجوء إلى هكذا خطوة تكراراً، ولو استمرّ التأجيل لأشهر.
سيناريو تَقدَّم الحديث عنه خلال الساعات الماضية، إلى جانب سيناريو آخر متمثل في أداء اليمين الدستورية بمَن حضر، من دون انتخاب رئيس البرلمان ونائبَيه. في الحالة الأولى، تدور التوقعات حول تأجيل الجلسة إلى ما بعد الـ 15 من أيلول/ سبتمبر، بهدف منح المكوّنات الوقت الكافي لحسم توجّهاتها بشأن «الكتلة الأكبر». والجدير ذكره، هنا، أن مصدراً مطلعاً على مسار المفاوضات استبعد، في حديث إلى «الأخبار» الأسبوع الماضي، ولادة هذه الكتلة قبيل منتصف الشهر المقبل. أما في الحالة الثانية، فسيتمّ رفع الجلسة إلى ما بعد أسبوع، أملاً أن تكون العقد المتصلة بمنصبَي رئاسة البرلمان (إن لم يُحسَم التنافس بين المرشحين «السنّة» قبيل مطلع الأسبوع القادم) ورئاسة الحكومة قد تحلحلت.