على بعد أسبوع من انطلاق الجولة التفاوضية الجديدة في مدينة جنيف السويسرية، يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، لقاءاته التحضيرية في هذا الإطار، في ظل غياب التوقعات باختراقات ذات طابع سياسي. غياب يعزّزه استمرار الموقف الأميركي المسانِد لـ«التحالف»، والذي بلغ في الدفاع عن الأخير إزاء التقرير الأممي الصادر أول من أمس مستوى يماثل ما أدلت به السعودية والإمارات في الدفاع عن نفسيهما. ورغم تشديد واشنطن على ضرورة الدفع بمسار المفاوضات قدماً، إلا أن «أنصار الله» لم تجد في الموقف المتقدم ما يدحض السلوك الأميركي العملي القائم، إلى الآن، على تغطية العدوان.والتقى غريفيث، أمس، في العاصمة الأردنية عمّان، وفداً من «المجلس الانتقالي الجنوبي» (الموالي لأبو ظبي) برئاسة عيدروس الزبيدي، علماً بأن هذا المكوّن ومعه «حزب المؤتمر الشعبي العام» سيشاركان في مشاورات جنيف بصفة مراقب فقط. وهو ما أعاد التشديد عليه، أمس، المبعوث الأممي، بقوله في مقابلة تلفزيونية إن الأطراف التي تأكّد حضورها في المشاورات هي «وفد من الحكومة اليمنية، ووفد من صنعاء»، لافتاً إلى أن «المشاركين في هذه المحادثات يمتلكون خبرة طويلة»، لكن مصادر مقربة من الحكومة الموالية للرياض أفادت بأن «القيادات ذات الوزن الثقيل في الشرعية أحجمت عن المشاركة في الوفد» بسبب الانقسامات حول «كثير من القضايا». وحول ما سيتمّ التطرق إليه في الجولة الجديدة، أشار غريفيث إلى «(أننا) نريد أن نحقق تقدماً من خلال إطلاق السجناء وبناء الثقة بين الطرفين»، آملاً أن «نصل إلى نتائج ملموسة في هذا الصدد».
هذه النتائج المتوقعة، والمتصلة بالدرجة الأولى بملف أسرى الحرب، لا يبدو حتى اليوم أن ثمة «فيتو» أميركياً عليها. وهو ما قد يُفسّر بمحاولة واشنطن تخفيف الضغوط الدولية والأممية المتصاعدة بشأن حرب اليمن، والتي ينتظر أن تتزايد أيضاً تزامناً مع انعقاد مشاورات جنيف، بالنظر إلى أن الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان، والذي سيُعرض خلاله التقرير الأخير الصادر عن فريق الخبراء الأمميين، سينعقد في الـ 8 من أيلول/ سبتمبر، أي بعد يومين من بدء المشاورات. لكن ذلك الاختراق المرتقب لا يظهر كافياً لإرساء أرضية أمنية ــــ سياسية، يمكن على أساسها الترتيب لتسوية شاملة، لم تبدر من الولايات المتحدة إلى الآن أي إشارة للاستعداد لتسهيلها والمضيّ فيها. وهذا ما أكده، أمس، رئيس «اللجنة الثورية العليا»، التابعة لـ«أنصار الله»، محمد الحوثي، بقوله تعليقاً على ادعاء وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أن هدف بلاده نقل الأزمة إلى «مائدة مفاوضات برعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت»، إن «ما نعرفه عنهم عملياً عكس ما يتحدثون به».
غريفيث: المشاركون في محادثات جنيف يمتلكون خبرة طويلة


وحمّل الحوثي، الولايات المتحدة، مسؤولية أي مجازر يمكن أن تُرتكب مستقبلاً. موقف يبدو منطقياً ومُبرّراً بالنظر إلى استماتة ماتيس في الدفاع عن «التحالف»، على خلفية التقرير الصادر أول من أمس عن فريق الخبراء الأمميين المعني باليمن، والذي حمّل السعودية والإمارات المسؤولية عن سقوط معظم الضحايا المدنيين. إذ زعم الوزير الأميركي «(أننا) لم نلمس أي استخفاف متعمد لدى مَن نعمل معهم»، مضيفاً «(أننا) سنواصل العمل معهم ونقلص هذه المأساة»، في تكرار لمنطقه المقلوب عن أن استمرار الدعم الأميركي لعمليات «التحالف» يسهم في تقليص الفاتورة البشرية للحرب. وبلغت الحماسة بماتيس حدّ الحديث عن «(أننا) شاهدنا طيارين أدركوا وهم في الجو أن مهمتهم تشكل خطراً، فرفضوا إلقاء القنابل، حتى وهم يملكون الإذن بالتنفيذ (...) كما شاهدنا إجراءات اتخذت لتحديد المناطق» التي توجد فيها مدارس أو مستشفيات. وفي حديث الوزير الأميركي ما يكاد يتفوق على موقف «التحالف»، الذي استغرب تجاهل التقرير المذكور «الدور الإنساني الكبير الذي قامت به ولا تزال دول التحالف في اليمن».
وبعدما كان قد أعلن أنه أحال تقرير الخبراء إلى ما سماه «الفريق القانوني» لدراسة الرد المناسب، أصدر «التحالف، أمس، على لسان المتحدث باسمه، تركي المالكي، بياناً طويلاً، اعتبر فيه أن التقرير «وقع في العديد من المغالطات... وحاول تحميل المسؤولية الكاملة لدول التحالف»، رافضاً «إدراج أسماء القادة والمسؤولين في دول التحالف في ملحق التقرير»، علماً بأن اسم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تصدّر تلك اللائحة بوصفه وزير الدفاع. واستنكر المالكي عدم إشارة التقرير إلى «دور إيران في استمرار الحرب في اليمن، ودعمها المستمرّ للحوثيين»، وكذلك إلى «الأعداد الكبيرة من الصواريخ الباليستية، وتعمّد الميليشيات الحوثية استهداف المدنيين»، متابعاً أن «التحالف سيقوم في وقت لاحق بتقديم رد قانوني شامل ومفصل، يفند فيه ما ورد في التقرير من ادعاءات لا أساس لها من الصحة».
مواقف تشي بانزعاج سعودي واضح من مضمون التقرير، الذي وإن وضع أطراف النزاع على قدم المساواة لناحية ارتكاب جرائم حرب محتملة، إلا أنه عرّى كل ادعاءات «التحالف» بشأن «مشروعية» إجراءاته وعملياته، وخصوصاً في ما يتصل بالحصار الذي أكد الخبراء أنه «ما من ميزة عسكرية قد تبرر المعاناة الفائقة والمستمرة» الناجمة عنه، وفق ما لحظ أمس الناطق باسم «أنصار الله» محمد عبد السلام. واعتبر عبد السلام أنّ ما تضمّنه التقرير «جزء يسير من فظائع تحالف العدوان»، داعياً الأمم المتحدة إلى «التحقق أكثر، والكفّ عن المداهنة، والتحرر من ابتزاز رباعي العدوان (أميركا، بريطانيا، السعودية والإمارات)».



إسقاط طائرة لـ«التحالف» في الساحل الغربي
سُجّل، يوم أمس، عدد من العمليات «النوعية» للجيش اليمني واللجان الشعبية على جبهات مختلفة. وكان أبرز تلك العمليات ما أفيد به مساءً عن هجوم مباغت نفّذته القوات المشتركة على مواقع الميليشيات المدعومة إماراتياً شرقي التحيتا، جنوب مدينة الحديدة. وأفاد مصدر عسكري بأن العملية أسفرت عن «سقوط قتلى وجرحى وفرار جماعي للعشرات» من عناصر تلك الميليشيات، مضيفاً أن «وحدة الدروع للجيش واللجان تمكنت من تدمير ناقلة مُحمَّلة بعتاد عسكري في التحيتا بصاروخ مُوجَّه». وعلى جبهة الساحل الغربي أيضاً، تمكّنت الدفاعات الجوية في الجيش واللجان من إسقاط طائرة تجسّس تابعة لقوات «التحالف» في منطقة الفازة، جنوب الحديدة. وفي محافظة تعز، شنّ مقاتلو الجيش واللجان هجوماً على منصة الدفاع في بير باشا، ما أسفر عن «سقوط قتلى وجرحى» في صفوف القوات الموالية لـ«التحالف»، بعدما كانوا قد شنّوا هجوماً مماثلاً على مواقع تلك القوات في التباب المطلّة على قرية العريش في مفرق الوازعية في المحافظة نفسها. أما على الجبهة الحدودية، فقد أطلقت القوة الصاروخية صاروخاً باليستياً من طراز «بدر 1» على معسكر مستحدث للجيش السعودي في منطقة نجران.