لا ينفع إسرائيل غير انتصار الجماعات المسلحة في سوريا: سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وتغيير هوية الدولة السورية. أيّ نتيجة مغايرة للحرب لا تلتقي مع المصالح الإسرائيلية. خسرت إسرائيل رهانها ومساعيها على الحرب، وهي الآن تخوض حرباً من نوع جديد في سوريا ضد قدرات أعدائها وتناميها فيها، وباتت مفتوحة على مروحة احتمالات وسيناريوات.خسارة الرهان الإسرائيلي على الحرب السورية لا تعني بالضرورة العودة الى معادلات قوى وقواعد اشتباك ما قبل عام ٢٠١١. الأمور باتت لدى الدولة السورية، التي تحقق الإنجازات الميدانية، مغايرة وتنطوي على تهديدات باتت قائمة وملموسة من ناحية إسرائيل، أيضاً على تهديدات في طور التشكل والتعاظم، وهي بطبيعتها يتعذر الحؤول دونها، من دون مواجهة واسعة، قد يتعذر على إسرائيل مباشرتها.
المسار المتبلور لنتيجة الحرب، يدفع سوريا إلى الالتصاق أكثر بثوابتها وخياراتها، وتحديداً وجودها وفاعليتها في المحور المعادي لإسرائيل. بعد الحرب، وأيضاً في اليوم الذي يسبق انتهاءها، يصعب على سوريا العودة والاكتفاء بتموضع ما كانت عليه وحسب، والتقدير أن تعمل على تحريك وتثبيت معادلات وميزان قوة، هي وحلفاؤها، مغايرة لما سبق، مع تعزيز تموضع سوري دفاعي في وجه إسرائيل وغيرها من دول العدوان التي ستبقى كما يبدو متربصة بسوريا مستقبلاً.
هذه المآلات، التي لا تغيب عن مستويات التقدير في تل أبيب، تستدعي منها العمل، بما أمكن، للحؤول دونها، مع و/ أو من دون رفع الصوت عالياً وإطلاق التهديدات، وما أمكن من أفعال، وإن أدركت تقلص تأثيرها وفعاليتها. على ذلك، بادرت إسرائيل إلى خوض حرب من نوع آخر، وتحديداً ما يتعلق بمحاولة نزع وإبعاد الدولة السورية عن حلفائها الأكثر قرباً والتصاقاً بخياراتها ومصالحها الأمنية. محاولة طموحة جداً، يؤكد بنيامين نتنياهو على كونها «مساراً طويلاً» لمنع التمركز الإيراني وحزب الله في سوريا.
في ذلك، لا ترضى إسرائيل بأنصاف حلول، وفي حد أدنى ما يتعلق بعرض مصالحها. هي سلة مطالب متكاملة غير قابلة للتجزئة. ومن شأن أي نتيجة مغايرة أن تبقي على التهديد وإمكانات تعاظمه آنياً ولاحقاً. حتى وإن كانت السلة ومحتواها مبالغاً فيه، كما عرضتها أمام «الصديق» الروسي خلال زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف في الأسبوع الماضي لإسرائيل، وتهدف من ناحية فعلية إلى منع تعزيز قدرة الدولة السورية عبر منع تموضع حلفائها إلى جانبها. التسويات والحلول المتجزئة لا تنفع تل أبيب، مهما جاءت منمقة كما يعمل الروسي على عرضها.
في لقاء لافروف ــــ نتنياهو، عرضت قائمة المطالب الإسرائيلية، وجاءت على الشكل الآتي:
على إيران إخراج كل منظومات صواريخها وأسلحتها البعيدة المدى من سوريا؛ على إيران وقف إنتاج السلاح الدقيق في سوريا؛ على إيران إخراج كل منظومات الدفاع الجوي من سوريا؛ لا يسمح لإيران بحيازة موطئ قدم عسكرية في سوريا؛ يجب إغلاق المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، وبين سوريا والعراق، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى سوريا؛ وأخيراً، تحتفظ إسرائيل بـ«حقها» في الدفاع عن نفسها وحرية عملها في سوريا (شن هجمات صاروخية وجوية).
أعيد صوغ لائحة المطالب، أمس، على لسان وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، الذي شدد خلال جولة له على وحدات الجيش شمالاً على أن الوضع عاد إلى ما كان عليه قبل الحرب في سوريا، لكن مع مطالب وشروط سماها «النقاط المركزية الثلاث»: يجب الالتزام بشكل كامل وتام باتفاق فصل القوات لعام 1974؛ يمنع استخدام وإقامة قواعد أمامية إيرانية ضد إسرائيل في سوريا؛ يمنع أن تكون سوريا محطة عبور لتهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان. مع التشديد، في المقابل، على أن إسرائيل «ستتصرف» إن لم تتحقق هذه الشروط الثلاثة.
هي كما يتبيّن، لائحة مطالب جهة انتصرت في الحرب، وتريد ترجمة انتصارها العسكري إنجازات سياسية أمام أعدائها. وإذا كانت هذه هي شروط إسرائيل التي خسرت الحرب ورهانها عليها، فكيف بها إن كانت قد تمكنت من الانتصار العسكري الفعلي، وإسقاط الدولة السورية؟
مع ذلك، تأمل إسرائيل أن تحقق ما أمكن من سلة المطالب، عبر «الصديق» الروسي، رغم إدراكها تموضعه الفعلي المبين على مصالحه وعلى هامش قدرة فرض لا تبدو مطلقة، وأحياناً تتأكد محدوديتها، الأمر الذي يدفعها إلى توصيف وجوده العسكري بالنعمة والنقمة: نعمة كونه محلاً للرهان على إمكاناته في تقليص وتأخير مسار تشكل التهديدات المعادية للدولة السورية وحلفائها، ونقمة كونه يحول دون تمادي إسرائيل في خياراتها المتطرفة ضد الدولة السورية، إن كانت قادرة عليها.
الشكوى الإسرائيلية كما ترد في توصيفات الإعلام العبري (صحيفة «إسرائيل اليوم»)، للحضور الروسي وأفعاله ودوره كصديق لإسرائيل وحليف لأعدائها، هو دور شبيه بـ«القرود الثلاثة» مجتمعة: لا أسمع ولا أرى ولا أتكلم تجاه الطرفين. دور وموقف يخالفان بالنتيجة المصالح الإسرائيلية، التي وإن استفادت منها في شن هجمات هنا وهناك مقلصة التأثير من ناحية عملية، لكن في المقابل فإن القرود الثلاثة الروسية تمكن الأعداء، الدولة السورية وحلفاءها، من بناء ميزان قوة وتموضع عسكري يفوق القدرة الإسرائيلية على مجاراته والحؤول دونه. مروحة الخيارات أمام إسرائيل محدودة من ناحية فعلية، وأفضلها مشبع بالتهديد. لكن، هل يؤدي سوء التقديرات والثقة الزائدة بالقدرات، إلى رهانات وأفعال متطرفة وخاطئة، أو تكتفي تل أبيب بحد التعايش دون الإقرار به؟ الاحتمالات مفتوحة، مع إدراك إسرائيل أن الانكسار في الحرب الحالية لا تقتصر تداعياته السلبية، على الساحة السورية وحسب، بل تمتد الى ساحات المواجهة الأخرى، وتلك الأكثر بعداً فيها.