خلف الأحاديث الكثيرة التي باتت تؤكد أنّ الرئيس الجزائري سيترشح إلى ولاية رئاسية خامسة برغم وضعه الصحي، فإنّ الاستحقاق المقبل لا يقف عنده وحده: خلف «صراع الأجنحة»، تبدو المؤسسة العسكرية حذرة حيال ما يُطلب منها «غربياً/فرنسياً»، فيما الطيف المعارض عاجز عن طرح عناوين سياسية... ووراء كل ذلك، ليس بريئاً حين توضع أزمات دولة خلف صورة رئيسها، فهذا لا يُسهّل سوى اقتناصها.منذ عام 2013، باتت رئاسة عبد العزيز بوتفليقة، للدولة الجزائرية، موضع شكوك جدية وأصبح مطالباً بعدم الترشح في العام التالي لولاية رابعة بسبب جلطة دماغية أصابته فجأة. ترشّح وفاز، لكنّه غاب عن المشهد العام، باستثناء ظهوره في صور تُوزَّع أثناء استقباله لضيوف كبار، أو أثناء مشاركات نادرة له في مناسبات عامة.
أما منذ أشهر قليلة، فقد تصاعدت حدّة المواقف الداخلية الداعية إلى عدم ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (81 عاماً) إلى ولاية رئاسية خامسة هذه المرة، خلال الانتخابات المزمع إجراؤها الربيع المقبل.
ضعف الطيف المعارض في الجزائر، حيث لا يرفع عملياً سوى شعار «عدم ترشّح بوتفليقة» من دون إمكان للتحرّك أكثر، يُقابله صراع مستمر بين أجنحة السلطة بدأ يخرج إلى العلن في الأيام الأخيرة، خاصة في أعقاب إقالة رجلَي أمن نافذَين، يُقال إنّ أحدهما، هو القائد العام للشرطة اللواء عبد الغني هامل، كان مرشحاً لخلافة بوتفليقة على كرسي الرئاسة.
لن تتضح مآلات «صراعات الأجنحة» إلا بنتائج الانتخابات الرئاسية نفسها


في حديث إلى وكالة «فرانس برس»، يصف دبلوماسي أجنبي الإقالات الأخيرة بأنّها «حملة ترتيب البيت الداخلي قبل الانتخابات»، معتبراً أن إقالة هامل كان هدفها القضاء على طموحات هذا الرجل. وإلى الوكالة نفسها، يقول مدير «مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط» في جنيف حسني عبيدي، إنّه عبر إقالة هامل، أكد الرئيس بوتفليقة مجدداً «أنه هو الرئيس، وهو وحده»، لافتاً إلى أنّ ذلك شكّل «بداية معجّلة للحملة الرئاسية». أما أستاذ التاريخ في «جامعة باريس 1» بيار فيرمرين، فيشير في سياق حديثه إلى أنّ «كوادر الرئاسة النافذين» أقدموا على «تحييد أو تحجيم دور الجيش وأجهزة الاستخبارات» التي كانت نافذة جداً و«صانعة ملوك في السابق» في الجزائر.
لن تتضح مآلات «صراعات الأجنحة» إلا بنتائج الانتخابات الرئاسية نفسها، لكن ضمن الخريطة السياسية الداخلية، فإنّ بوتفليقة يحوز دعم «جبهة التحرير الوطني»، وأبرز حليف لها، «التجمع الوطني الديموقراطي»، حزب رئيس الوزراء أحمد أويحيى، بالإضافة إلى أطراف أقل حجماً بدأت تدعوه إلى الترشح لمرة خامسة. لكن أيضاً، إذا صحّ أنّ ما يزيد من ضبابية «صراع الأجنحة» واقع أنّ «جنرالات الجزائر» الذين كانت تُنسب إليهم مهمة اختيار هوية الرئيس المقبل، فقدوا من نفوذهم كما يُقال، ومن غير المعروف حالياً مدى قدرتهم على الحسم في الرئاسيات المقبلة، فإنّ أوساطاً إقليمية، متابعة ومطلعة، تعتبر في حديث إلى «الأخبار» أنّه حتى لو كان الجيش «لا يزال نافذاً بما فيه الكفاية للحسم»، فإنّ قيادييه «حذرون جداً نظراً إلى أنّهم مطالبون غربياً، وفرنسياً تحديداً، بعدة أدوار إقليمية، أبرزها لعب دور في صراع منطقة الساحل». وتقول شخصية متابعة زارت بيروت أخيراً: «يُدرك الجيش الجزائري أنّ أوّل ما يُطلب من الرئاسة الجزائرية، حالياً أو حتى العام المقبل، هو دور للجيش في الإقليم... وهذا خط أحمر، وفقاً للدستور ووفقاً للتقليد العسكري الجزائري».
مجمل هذا المشهد يقود حتى الساعة إلى أنّ بوتفليقة سيكون مرشحاً لولاية رئاسية خامسة. في هذا الصدد، يقول بيار فيرمرين، إنّ «كل المؤشرات الخارجية تدل على أن هناك مجموعة صغيرة من الأشخاص تحظى بنفوذ قوي وموجودة في أعلى هرم الدولة الجزائرية، تدفع في اتجاه إعادة انتخاب الرئيس»، فيما تنقل «فرانس برس» عن الدبلوماسي الأجنبي نفسه أنّ «ولاية خامسة أصبحت أمراً شبه مؤكد بالنسبة إلى الأوساط السياسية الغربية».
أمام هذه التأكيدات ذات الطبع القطعي، لعلّ ما يسقط دوماً هو السؤال عن هوية المجموعة التي تدفع الرئيس بوتفليقة إلى البقاء في الحكم، «رغماً عنه ربما»، كما تقول شخصية جزائرية. ولكن بأي حال، تقريباً إنّ نفس الأوساط التي باتت تؤكد أنّ الرئيس الجزائري الثمانيني سيترشح مجدداً، تطرح سيناريوات في مجالس شبه رسمية وخاصة، من مثيل: استحداث منصب نائب رئيس... أو استعادة نموذج «هيئة الحكم».