لم تكد تمرّ ساعات على إعلان اللجنة التنظيمية لاعتصام المهرة، الرافض للتواجد السعودي - الإماراتي في المحافظة، تعليق احتجاجاتها لمدة شهرين بعد موافقة الرياض على تلبية مطالبها، حتى جاءت قرارات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في شأن المهرة، لتؤكد الشكوك في حقيقة الالتزام السعودي بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل أيام. إذ إن القرارات المشار إليها استهدفت شخصيات كانت دعمت الاعتصام وتبنّت شعاراته، في ما بدا انتقاماً منها ومحاولة لتقييد حركتها مستقبلاً. وهي رسالة يبدو أنها وصلت إلى المُنظِّمين، الذين تحدثت أوساطهم عن حالة حذر وترقب لما سيعقب خطوة الإقالة هذه. وأصدر هادي، في وقت متأخر من مساء السبت الماضي، قرارَين أطاح بموجبهما بوكيل محافظة المهرة لشؤون الصحراء علي سالم الحريزي، ومدير أمن المحافظة أحمد محمد قحطان، وعيّن بدلاً منهما توالياً كلاً من مسلم بن زعبنوت ومفتي نهيان سالم. والحريزي واحد من أبرز مشايخ المهرة وأهم شخصياتها الاجتماعية، وقد سبق له أن أعلن وقوفه إلى جانب المعتصمين، غير متحرّج في وصف وجود القوات السعودية والإماراتية في المحافظة بأنه «احتلال»، ومؤكداً أن «أبناء المهرة يريدون استعادة سيادتهم على أرضهم». أما قحطان فيُرجِع إليه سكان المحافظة الفضل في حفظ مناطقهم من الاختلال الأمني السائد في ما تُسمّى «المحافظات المحررة»، وهو بنفسه من تولّى قيادة المفاوضات مع الجانب السعودي، والتي أدت إلى توقيع اتفاق بين الطرفين ينصّ على تنفيذ مطالب «المهريين». انطلاقاً من تلك الحيثيات، تظهر قرارات هادي وكأنها محاولة سعودية لتجريد المعتصمين من أذرع القوة التي يتسلحون بها، تحسباً لأي خطوات مستقبلية قد يقدمون عليها، في حال تملّص «التحالف» من التزاماته حيالهم. رسالة يعزّز طابعها السلبي أنها جاءت عقب لقاء جمع الرئيس المستقيل بمحافظ المهرة، راجح باكريت، الذي لعب دوراً رئيساً في تعبيد الطريق أمام السعودية لتعزيز وجودها في المحافظة الواقعة أقصى شرق اليمن، قبل أن يرفع عصا التهديد بوجه المعتصمين، ما دفع الأخيرين إلى المطالبة بإقالته في وثيقة شرف أصدروها الجمعة الماضي.
استهدفت قرارات هادي شخصيات كانت دعمت الاعتصام وتبنّت مطالبه

رسالة «الشرعية»، ومن ورائها السعودية، سرعان ما طرقت آذان المعتصمين، الذين رفعوا - عقب قرارات السبت - مستوى حذرهم، بعدما كان أبدوا قدراً منه في ربطهم تعليق احتجاجهم بشهرين للتأكد من أن السعودية ستفي بتعهداتها. وتفيد مصادر من داخل اللجنة التنظيمية بأن الأخيرة ترصد كل تحركات «التحالف» والسلطة المحلية «التي تُعدّ أداة في يده مهمتها ذر الرماد في العيون». وما إرفاق هادي قرارَي الإقالة بقرار بإنشاء «جامعة المهرة للعلوم والتكنولوجيا» - في نسخة جديدة من قرارات مماثلة طاولت محافظات عدة و«لم ترَ النور حتى اللحظة» - إلا جزء من تجليات تلك المهمة. وتقلّل المصادر من شأن خطوة الإطاحة بالحريزي وقحطان، معتبرة أنها «لن تؤثر في الاعتصام بل ستزيده زخماً، وستجعل الشخصيات المستهدفة أكثر قرباً من المعتصمين، وتمسكاً بدعمهم اعتماداً على الثقل الاجتماعي». ولعلّ فائدة ما أقدم عليه هادي، بدفع سعودي، أنه سيُحرّر المعتصمين ومسانِديهم من عبء مجاملة «الشرعية»، التي حرصوا على تحييدها - أثناء تحركاتهم - بعيداً من شعاراتهم ومطالبهم. مطالب كان رئيس اللجنة التنظيمية للاعتصام، عامر سعد كلشات، أكد، في تصريحات تلفزيونية، أنها «صارت مطالب الشعب عامة»، مشدداً على ضرورة تنفيذها، وواصفاً المُعيَّنين الجدد بأنهم «موجودون في مناصب خاوية ومسلوبة الصلاحيات». وأرجع عضو اللجنة الإعلامية للاعتصام، أحمد بلحاف، من جهته، قرارات هادي الأخيرة إلى ضغط سعودي، هدفه «الالتفاف على الاتفاق الذي تم توقيعه مع المعتصمين»، لافتاً إلى أن السعودية «لم تفِ بعهد أو اتفاق»، متهماً إياها بـ«تعيين أدواتها في المحافظة لتتمكن من السيطرة عليها».
على خط موازٍ، تواصلت على جبهة الساحل الغربي عمليات الجيش اليمني واللجان الشعبية المضادة لتحركات القوات الموالية لـ«التحالف». واستهدف سلاح الجو المسيّر، أمس، بسلسلة غارات، تعزيزات عسكرية للميليشيات المدعومة إماراتياً كانت في طريقها إلى مناطق التماس في مديرية التحيتا، جنوب شرقي الحديدة. وأفادت مصادر عسكرية في صنعاء بأن الغارات «حققت إصابات مباشرة»، موضحة أنها «نُفِّذت بناءً على رصد استخباري تم خلاله كشف مسار تحرك التعزيزات نحو التحيتا، لرفد اللواء الخامس - عمالقة الذي خسر حتى الآن قرابة 60 في المئة من قواته». وترافقت تلك الغارات مع إطلاق صاروخ باليستي قصير المدى على مواقع القوات الموالية لـ«التحالف» في الساحل، «أصاب هدفه بدقة، وألحق خسائر بشرية ومادية» بالمهاجَمين. وعلى مستوى العمليات البرية، شن مقاتلو الجيش واللجان هجمات على مواقع الميليشيات المدعومة إماراتياً في أطراف مديريتي الدريهمي وحيس، وقصفاً مدفعياً على مواقع مماثلة في غرب التحيتا «موقِعين إصابات مباشرة». وفي التحيتا أيضاً، أفشلت القوات المشتركة محاولة تقدم نحو منطقة الفازة. أما على الجبهة الحدودية، فأُعلِنت، مساء أمس، سيطرة الجيش واللجان الكاملة على موقع الشرفة السعودي في منطقة نجران، خلال «عملية نوعية». وفي حصيلة إجمالية لعمليات الساعات الماضية، أفادت وحدة الهندسة في القوات المشتركة بـ«تدمير 7 آليات عسكرية، منها 4 في جبهات الحدود، و3 في الساحل الغربي»، فضلاً عن «مقتل وإصابة أكثر من 30 عنصراً من القوات المعادية».