على الغلاف | القاهرة | شوارع القاهرة أمس كانت على غير المتوقع. الأمور هادئة، المصالح الحكومية تستقبل المواطنين، والسيارات تعاني كعادتها من الازدحام، ورواد المترو يتحدثون عن الاستفتاء، ويتشاجرون على ترشح وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية. الهدوء المسيطر على المدينة كان ممزوجاً بقلق بدده بعض الشيء الانتشار الواسع للقوات المشتركة للجيش والشرطة.
وعلى الرغم من دعوات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وتحالف «دعم الشرعية ورفض الانقلاب» إلى مقاطعة الاستفتاء، والتهديدات بممارسة العنف من جانب بعض الجماعات المتشددة، كان المشهد العام في أول أيام الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أدخلتها لجنة الخمسين على دستور 2012 «المعطل» جيداً، وشهدت أغلب مراكز الاقتراع تزاحماً كبيراً، وامتدت بعض الطوابير أمامها في سلسلة بشرية طويلة.
وزاد التزاحم بعد ظهر أمس مع خروج الموظفين من أعمالهم ومشاركتهم باقي المواطنين في الوقوف أمام مراكز الاقتراع.
الملاحظة الأبرز التي سجلتها «الأخبار» في الحديث مع المشاركين في الاستفتاء أمس في منطقىة الدقي في القاهرة، أن غالبيتهم لم يطلعوا على مواد الدستور التي يستفتون عليه، وأن معظمهم قرر المشاركة تلبية لدعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، أو تحدياً لجماعة «الإخوان» المسلمين وتأييداً لترشح الفريق السيسي للرئاسة.
كذلك سُجلت ملاحظة أخرى بارزة في الجولة أمس، أن أغلب المشاركين من النساء ومن كبار السن، الذين وقفوا لساعات أمام اللجان في انتظار دورهم في التصويت على الدستور.
سناء إبراهيم، من أمام أحد اللجان في شارع التحرير بمنطقة الدقي، قالت: «حضرت اليوم لأقول نعم على الدستور»، وأضافت: «نعم تعني أننا نرفض إرهاب الإخوان».
أجواء احتفالية شهدتها الباحة الخارجية للجنة، بعض السيدات جلسن في دائرة يغنين للسيسي، وبعضهن يزغرد بين الحين والآخر.
وأمام لجنة أخرى في شارع إيران في الدقي، أوضحت نوال شاهين لـ«الأخبار» أنها قررت المشاركة في الاستفتاء، «حتى نؤكد للعالم كله أننا شعب حر، وما قمنا به ثورة شعبية وليس انقلاباً كما يقول الإخوان وأنصارهم»، مضيفةً أن المشاركة في الاستفتاء والموافقة عليه بـ«نعم» ستؤكد وقوف الشعب إلى جانب قواته المسلحة «التي تحارب الإرهاب»، لافتةً إلى أن غالبية المصريين ستشارك في الاستفتاء بأمان؛ لأنهم يعلمون أن قواتهم المسلحة والشرطة تؤمنه، وتحميهم من أي أعمال عنف قد
تحدث.
بدوره لفت إبراهيم السيد (76 عاماً)، إلى أنه قرر المشاركة في الاستفتاء، رغم عمره المتقدم حتى «نطمئن إلى مستقبل أبنائنا وأحفادنا»، مضيفاً أن الموافقة على الدستور تعني الموافقة على عزل مرسي، «هذه المرة ليس بمظاهرات في الشارع ولكن بطريق الصناديق أيضاً»، وهو ما وافقه عليه الشاب أمير عبد التواب الذي قال إن «الإخوان دائماً ما يتحدثون عن أن محمد مرسي جاء إلى الحكم بالصناديق، ولا يعترفون بأن ما حدث في 30 يونيو ثورة»، وبالتالي إن المشاركة في الاستفتاء اكدت أنه بالصناديق أيضاً أصبح الإخوان «جماعة منبوذة».
أستاذ علم الاجتماع في جامعة «عين شمس»، علي ليله، فسر المشاركة الواسعة في الاستفتاء أمس بأنها «تعود إلى حالة «الاطمئنان» التي يشعر بها المواطن البسيط، والوعي الذي أصبح يتمتع به هذا المواطن إلى درجة كبيرة»، لافتاً في حديث لـ«الأخبار» إلى أن «غالبية الشعب كشفت الحجم الطبيعي لجماعة «الإخوان المسلمين»، وعدم قدرتها على تنفيذ ما هددت به، من عرقلة عملية الاستفتاء».
وأشار ليله إلى أن البيانات التي أصدرتها القوات المسلحة والداخلية عن استعداداتها لتأمين علمية الاستفتاء جعلت المواطن يحرص على المشاركة، مضيفاً أن خروج الناس أمس جاء كنوع من التحدي للقوى الداخلية والعالمية، للتأكيد أننا «شعب كبير ولن نقبل أن يفرض أحد، سواء في الداخل أو الخارج رأيه أو موقفاً معيناً».

أسر الشهداء: المقاطعة هي الحل

المقاطعة هي الحل الذي اختاره العدد الكبر من أسر الشهداء في الاستفتاء؛ فهو بالنسبة إلى الكثير منهم لم يحقق أياً مما استشهد لأجله أبنائهم.
عائلة الشهيد محمد الديب الذي سقط عقب فض اعتصام «رابعة العدوية» في آب الماضي، قررت جميعها مقاطعة الاستفتاء.
شقيق محمد الصغير، أحمد، أكد لـ«الأخبار» أن العائلة ستحشد الشارع المصري للمقاطعة، مضيفاً: «نحن لسنا معترفين بالأساس بلجنة الخمسين، التي كلفت تعديل الدستور، والتي عينها رئيس باطل وفي نظام باطل»، واصفاً الدستور الذي يُستفتى عليه بأنه مكتوب على دماء الشهداء، فهو «دستور باطل».
يأتي موعد الاستفتاء مع الذكرى الثانية على ذكر استشهاد علاء عبد الهادي، طالب كلية الطب، الذي راح ضحية أحداث مجلس الوزراء نهاية 2012، الذي رفضت عائلته أيضاً المشاركة فيه، ورأت أن المقاطعة هي الحل. غياب القصاص والعدل عد من أبرز الأسباب التي دفعت والدة الشهيد إلى اتخاذ هذا القرار، مؤكدةً أنها ستقاطع الاستفتاء والانتخابات القادمة؛ لأن الإحساس باليأس تمكن منها، مضيفة: «تأكدنا أن لا قصاص ولا عدل ولا حياة، ومن ثم على أي أساس أقدم على الاستفتاء وأنا لا أرى أملاً من
جديد».
الشعار نفسه رفعته رهام الشرقاوي، شقيقة رامي، شهيد حادثة مجلس الوزراء، قائلةً «إن المقاطعة هي الحل، حيث إن نتيجة الاستفتاء معروفة مسبقاً، سواء أبادرت بالمشاركة أم لا، وستخرج كما تريدها الدولة».
وتابعت: «قام الإخوان بإعداد دستور على مقاسهم، وأيضاً لجنة الخمسين أعدت دستوراً على مقاس المؤسسات التي شاركت في كتابة الدستور»، لتختم بالقول: «نزولي ما هو إلا مشاقة دون نتيجة».